الرد علي شبهة : نسيان الرسول صلي الله عليه وسلم.
 

الحمد لله و كفى و سلام علي عباده الذين اصطفى

أما بعد

فاختصاراً نحن اليوم نسأل سؤالاً لنرد شبهة أثارها النصارى و السؤال هو :

هل يجوز أن ينسي النبي ص

و نجيب بالقول الآتي:
وقوع النسيان من النبي يكون على قسمين:

الأول : وقوع النسيان منه فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ مثل الأمور العادية و الحياتية فهذا جائز مطلقاً لما جبل عليه من الطبيعة البشرية.

والثاني : وقوع النسيان منه فيما هو مأمور فيه بالبلاغ ، وهذا جائز بشرطين:

الشرط الأول : أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه النسيان أصلاً .
الشرط الثاني : أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره إما بنفسه، وإما بغيره .
قال القاضي عياض رحمه الله:

بجواز النسيان عليه ابتداء فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ ، واختلفوا فيما هو مأمور فيه بالبلاغ والتعليم، و من ذهب إلى الجواز ، وقال: لا بد أن يتذكره أو يذكره به أحد .

قال الإسماعيلي النسيان من النبي عليه الصلاة والسلام لشيء من القرآن يكون على قسمين:

أحدهما : نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود في السهو: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون».

وهذا القسم سريع الزوال، لظاهر قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه لنسخ تلاوته، وهو المشار إليه في قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ).

وهذا القسم مشار إليه في قوله: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ..)

إذا فهمنا هذا الأمر فإننا عندئذ نستطيع الرد علي اعتراض النصارى على الحديث والآية : 

الآية هي قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ )

فزعموا: أن الآيات تدل على أن محمد قد أسقط عمداً أو أُنسي آيات لم يجد من يذّكره إياها، وتدل أيضًا على جواز النسيان على النبي عليه الصلاة والسلام

والحديث هو : ما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «سَمِعَ النَّبِيُّ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا». وفي رواية: «أُنْسِيتُها».

فزعموا أن النبي أسقط عمد بعض آيات القرآن !!!.

و الجواب عنهم في الآية نقول :

أولاً : بأن قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى وعد كريم بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن، إذ إن (لا) في الآية نافية، أي أن الله أخبر فيها نبيه صلى الله عليه و سلم بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه.

وقيل (لا) ناهية، فهي مثل أن تقول لشخص لا تشرك بالله فهل معنى ذلك أنه أشرك؟؟!! و مثل ما قال لقمان لابنه (( لا تشرك بالله)) فهل معنى ذلك أنه أشرك؟؟؟

ومعنى الآية على هذا: سنعلمك القرآن، فلا تنساه، فهي تدل على عكس ما أرادوا الاستدلال بِها عليه.

ثانياً : الاستثناء في الآية معلّق على مشيئة الله ولم تقع المشيئة، بدليل ما مرّ من قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)

ثالثاً : الاستثناء في الآية لا يدل على ما زعموا من أنه يدل على إمكان أن ينسى شيئاً من القرآن، فان الاستثناء لا يجب حدوثه مثل قوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك)

وقيل: إن الحكمة في هذا الاستثناء أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي عليه الصلاة والسلام القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك إشعار للنبي عليه الصلاة والسلام أنه دائماً مغمور بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يفتنون به كما فتن النصارى بالمسيح.

القول الثاني : أن الاستثناء المراد به منسوخ التلاوة فيكون المعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه ما يقرؤه، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته.

والجواب عما زعموه في الحديث الشريف :

أولاً: الآيات التي أنسيها النبي عليه الصلاة والسلام ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام و لم تنزل آية على النبي عليه الصلاة والسلام إلا قام كتبة الوحي بكتابتها.
وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر.
وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مما كتبه كتاب الوحي ولا ما يدل على أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا نسوها جميعا حتى يخاف عليها الضياع.

ثانياً : أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد محيت من ذهنه الشريف جملة بل غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي عليه الصلاة والسلام .

قال الباقلاني: (وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسي العالم الحافظ بالقرآن نسياناً لا يقدح فيه فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه).

ثالثاً : أن قوله( أسقطتها ) مفسرة بقوله في الرواية الأخرى: ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه أسقطها نسياناً لا عمداً فلا محل لما أوردوه من أنه قد يكون أسقط عمداً بعض آيات القرآن.

قال النووي: قوله "كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلّغه إلى الأمة.

أخيراً ذهب البعض أن ما نسيه النبي عليه الصلاة والسلام كان مما نسخه الله تعالى و لم يعلم الصحابي بنسخه ثم وقع العلم عند الصحابي بذلك.

و نقول للنصارى أن حفظ القرآن و جمعه ليس مسئولية الرسول عليه الصلاة والسلام و ليس مسئولية الصحابة و لا أبي بكر و لا عمر و لا عثمان فالله بينها واضحة في كتابه(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). فمن أنزل الذكر هو الذي عليه حفظه ، وبيّن جل جلاله (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) أي أن المتكفل بجمعه و حفظه للأمة ليس النبي عليه الصلاة والسلام بل الله عز و جل و يفعل الله ذلك علي الوجه الذي يشاء.

فبهذا تكون شبهتهم واهية و أمهم هاوية.. والحمد لله