في آداب المحدِّث وطالب الحديث (2)
 

[5] بيان طرق درس الحديث:

اعلم أن لدرس الحديث ثلاثةَ طرق عند العلماء:

أولها: السَّرْدُ: وهو أن يتلو الشيخ المُسْمِعُ أو القارِئُ كتاباً مِن كُتُب هذاالفن من دون تعرُّض لِمَبَاحِثِه اللغوية والفقهية وأسماء الرجال ونحوها.

وثانيها: طريق الحَلّ والبحث: وهو أن يتوقف بعد تلاوة الحديث الواحد مثلاً على لفظه الغريب وتراكيبه العويصة، واسمٍ قليل الوقوع من أسماء الإسناد، وسؤالٍ ظاهر الورود والمسألة المنصوص عليها، ويَحُلَّه بكلام متوسط، ثم يستمر في قراءة ما بعدها.

وثالثها: طريق الإمعان: وهو أن يذكر على كلمةٍ ما لها وما عليها، كما يذكر مثلاً على كل كلمة غريبة وتراكيبَ عويصة، شواهدَها من كلام الشعراء، وأَخوات تلك الكلمة وتراكيبها في الاشتقاق ومواضع استعمالاتها؛ وفي أسماء الرجال حالات ِ قبائلهم وسِيَرَهم، ويُخرِج المسائل الفقهية على المسائل المنصوص عليها، ويقص القصص العجيبة والحكايات الغريبة بأدنى مُنَاسَبة وما أشبهها. فهذه الطُرُق هي المنقولة عن علماء الحَرَمين قديماً وحديثاً.

قال المولَى وليُّ الله الدَّهلولي، ومختارُ الشيخ حسن العجيمي، والشيخ أحمد القطان، والشيخ أبي طاهر الكردي: هو الطريق الأول - يعني السَّرْدَ- بالنسبة إلى الخَوَاصِّ المُتَبَحِّرين، لِيَحْصُلَ لهم سَمَاعُ الحديث، وسِلْسِلَةُ رِوايته على عُجَالَة؛ ثم إحالةُ بقيةِ المَبَاحث على شروحه، لأن ضبط الحديث مَدَارُهُ اليوم على تَتَبُّع الشروح والحواشي؛ وبالنسبة إلى المبتدئين والمتوسطين الطريق الثاني - يعني البحثَ والحَلَّ - لِيُحِيطوا بالضروري في علم الحديث عِلْماً، ويستفيدوا منه على وجه التحقيق دَرْكاً وفَهماً، وعلى هذا يُسَرِّحون أنظارهم في شرح من شروح كتب الحديث غالباً، ويرجعون إليه أثناء البحث لحل العُضال ورفع الإشكال؛ وأما الطريق الثالث، فهو طريقة القُصَّاص القاصدين منه إظهار الفضل والعلم لأنفسهم ونحوها والله أعلم.

[6] أمثلةُ مَن لا تُقبَلُ روايته، ومنهم من يحدث لا من أصل مصحَّح:

في (التقريب وشرحه) في المسألة الحادية عشرة من النوع الثالث والعشرين من نصه: «لا تُقْبَلُ روايةُ مَن عُرِف بالتساهل في سَماعه أَو في إسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في السَّمَاع منه أَو عليه، أو يحدِّث لا مِن أصلٍ مُصَحَّح مُقَابَلٍ على أصلِه أو أَصلِ شَيْخِه».

[7] الأدب عند ذكره تعالى وذكر رسوله والصحابة والتابعين:

قال النووي: «يُستحب لكاتب الحديث إذا مَرَّ بذكر الله عز وجل أن يكتب (عز وجل) أو (تعالى) أو (سبحانه وتعالى) أو (تبارك وتعالى) أو (جل ذكره) أو (تبارك اسمه) أو (جلَّت عظمته) أو ما أشبه ذلك. وكذلك يذكُر عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم) بكمالهما، لا رمز إليها، ولا مقتصراً على أحدهما. وكذلك يقول في الصحابي (رضي الله عنه)، فإن كان صحابياً ابن صحابي قال (رضي الله منهما)، وكذلك يترضَّى ويَتَرحَّم على سائر العلماء والأخيار ويكتب. كل هذا وإن لم يكن مكتوباً في الأصل الذي ينقل منه، فإنَّ هذا ليس رواية، وإنما هو دعاء، وينبغي للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكوراً في الأصل الذي يقرأ منه، ولا يسأم من تكرُّر ذلك؛ وَمَن أغْفَلَ هذا حُرِمَ خيراً عظيماً، وفُوِّتَ فضلاً جسيماً».

[8] الاهتمام بتجويد الحديث:

قال الإمام البديري في آخر شرحه لمنظومة الْبَيْقونِيَّة: «وأما قراءة الحديث مُجَوَّدَةً كتجويد القرآن فهي مندوبة. وذلك لأن التجويد من محاسن الكلام، ومن لغة العرب، ومن فصاحة المتكلم، وهذه المعاني مجموعة فيه صلى الله عليه وسلم، فمن تكلم بحديثه صلى الله عليه وسلم فعليه بمراعاة ما نطق به صلى الله عليه وسلم» انتهى.

ولا يخفى أن التجويد من مقتضيات اللغة العربية، لأنه من صفاتها الذاتية، لأن العرب لم تنطق بكلمها إِلاَّ مُجَوَّدَة، فمن نطق بها غير مجودة فكأنه لم ينطق بها، فما هو في الحقيقة من محاسن الكلام، بل من الذاتيات له، فهو إِذَنْ من طبيعة اللغة، ولذلك مَنْ تَرَكَه فقد وقع في اللحن الجليّ، لأن العرب لا تعريف الكلام إلا مجوَّداً .

  • أهم المصادر والمراجع:

- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: الشيخ جمال الدين القاسمي.        

- تدريب الراوي شرح تقريب النواوي: الإمام عبدالرحمن السيوطي.

- الأدب في الدين: الإمام الغزالي.