المسلم سخيٌ كريمٌ
 

يثق المسلم بأن مصدر الخير والرزق هو الله تعالى، والله سبحانه حي موجود دائم باقٍ، وكلامه ووعده بالتعويض حق راسخ، فمن وثق وآمن بذلك، كان حقاً مؤمناً، ومن تشكك في ذلك، لم يكن مؤمناً، وإنما هو مسلم.

والسخي الجواد قريب من الله تعالى، قريب من الناس، والبخيل بعيد عن الله تعالى، بعيد عن الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وأجودُ ما يكون في رمضان، حين يأتيه جبريل لمدارسة القرآن ومقابلته، والدليل على جوده: حديث متفق عليه عن جابر رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال:«لا ».

ووصف الله تعالى أهل الإيمان بصفات عشر، منها التصدق، وهي: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:33/35].

وحضَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة وبذل الزائد عن الحاجة، فقال فيما رواه مسلم عن أبي أُمامة صُدَي بن عَجْلان رضي الله عنه: «يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضلَ خير لك، وإن تمسِكْه شرٌّ لك، ولا تلام على كَفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى».

والفضل: هو الزائد عن حاجة الإنسان لنفسه ولعياله (من يمونهم).

والكفاف: ما تغطي به الحاجة. والبدء بمن تعول: من تجب عليه نفقته من زوجة وولد وقريب ودابة وخادم. واليد العليا: المنفقة، والسفلى: الآخذة. وفيه حثٌّ على العمل وتنفير من السؤال، أي: الاستجداء.

وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل» أي: إن الصدقة لا تنقص المال لأن الله يبارك فيه ويعوض ما ذهب منه، ومن عفا ارتفع وسما في القلوب، ومن تواضع رفعه الله في الدنيا والآخرة.

وفي حديث آخر متفق عليه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتَقْرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»، وإطعام الطعام يشمل الصدقة والهدية والنذور والأضحية والعقيقة والضيافة ونحو ذلك.

ويقارن النبي صلى الله عليه وسلم بين البخيل والمنفق، حيث ينقبض الأول إذا حدَّث نفسه بالعطاء، والمنفق أو الجود ينشرح صدره وتطيب نفسه بالبذل، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 59/9].

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد، من ثديهما إلى تَرَاقيهما، فأما المنفق: فلا يُنفق إلا سَبَغَتْ – أو وَفَرت- على جلده حتى تُخفي بنانه وتعفُو أثره، وأما البخيل: فلا يريد أن يُنفق شيئاً إلا لَزَقت كل حَلْقة مكانها، فهو يوسِّعها فلا تتسع»، ومعناه: أن المنفق كلما أنفق سبغت (امتدت) وطالت حتى تجري وراءه وتخفي رجليه وأثرَ مَشْيه وخطواته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى للجود والسخاء بالنفقة، روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنَماً بين جَبَلَيْن، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا، فإن محمداً يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليُسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.

وروى مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسْماً، فقلت: يا رسول الله، لَغيرُ هؤلاء كانوا أحقَّ به منهم؟ فقال: «إنهم خيَّروني أن يسألوني بالفُحْش فأعطيهم، أو يبخِّلوني ولست بباخل» أي: إنهم ألجؤوه إلى أحد حالين: إما السؤال بالفحش أي الشيء الكثير، وإما نسبته إلى البخل.

قال القاضي عياض: إنهم اشتطوا عليه في السؤال على وجه يقتضي أنه إن أجابهم إليه حاباهم، وإن منعهم آذوه وبَخَّلوه، فاختار صلى الله عليه وسلم أن يعطي، إذ ليس البخل من خلقه، مدارة وتألفاً. وروى البخاري عن جبير بن مُطعِم أن الأعراب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعطيهم أثناء عودته من حُنين حتى اضطروه إلى سَمُرة، فخَطفت رداءه فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العِضاه نَعَماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً».

* أهم المصادر والمراجع:

- صحيح مسلم بشرح الإمام النووي: الإمام النووي..

- توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.