النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
 

هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث، هل تفرد به راويه أو لا؟ وهل هو معروف أو لا؟

وذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله: أن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله: أن يروي حماد بن سلمة حديثاً لم يتابع عليه، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فينظر: هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين؟ فإن وجد علم أن للخبر أصلاً يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك: فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة.

وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإلا فلا.

قلت: فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد، فهذه المتابعة التامة، فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة، أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضاً، لكن يقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها، ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضاً.

فإن لم يرو ذلك الحديث أصلاً من وجه من الوجوه المذكورة، لكن روي حديث آخر بمعناه، فذلك الشاهد من غير متابعة، فإن لم يروِ أيضاً بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ. وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود، كما سبق.

وإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو هريرة، وتفرد به عن أبي هريرة ابن سيرين، وتفرد به عن ابن سيرين أيوب، وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة، كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه.

ثم اعلم: أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده، بل يكون معدوداً في الضعفاء. وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء [فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به]، وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك، والله أعلم.

مثال المتابع والشاهد: روينا من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به». ورواه ابن جريج، عن عمرو، عن عطاء، ولم يذكر فيه الدباغ.

فذكر الحافظ أحمد البيهقي لحديث ابن عيينة متابعاً وشاهداً:

أما المتابع: فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء. وروى بإسناده عن أسامة، عن عطاء، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا نزعتم جلدها فدبغتموه، فاستمتعتم به».

وأما الشاهد: فحديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر»، والله أعلم.

  • أهم المصادر والمراجع:

-          مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: الإمام ابن الصلاح.

-          وانظر: نزهة النظر شرح نخبة الفكر: الإمام ابن حجر العسقلاني.

-          تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: الإمام جلال الدين عبدالرحمن السيوطي.

-          قواعد التحديث من علم الحديث: الشيخ جمال الدين القاسمي.

-          الوجيز في علوم الحديث: د. محمد عجاج الخطيب.