دعاء: اللهم إني أسألك العافية....
 

عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يُمسي وحين يُصبحُ: اللهم أني أسألك العافية في ديني ودنيايَ وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديَّ، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي» أخرجه النسائيُّ وابن ماجه، وصححه الحاكم.

- درجة الحديث:

الحديث صحيح.

قال الشيخ صديق بن حسن: أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

قال النووي في الأذكار: روي بالأسانيد الصحيحة.

وأخرجه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

- مفردات الحديث:

العافية: الصحة التامة في البدن والسلامة التامة في أمر الدين، والسلامة من المعاصي والبدع، والسلامة في الدنيا من شرورها ومصائبها.

عوراتي: جمع عورة، والعورة كل ما يستحيى منه إذا ظهر من الذنوب والعيوب.

روعاتي: جمع روعة والروعة الفزع.

عظمتك: عظمة الله تعالى صفة جليلة من صفاته العلى، فهو موصوف بالعظمة الكاملة والقدرة النافذة، فله الكبرياء والعظمة المطلقة، فالسائل يستعيذ ويلتجئ من الشرور بعظمة الله تعالى وقدرته المحيطة بكل شيء.

أن أُغتال: اغتال أخذه من حيث لا يدري فأهلكه من الاغتيال، وهو أخذ الشيء خفية.

- ما يؤخذ من الحديث:

1- هذه الأدعية الكريمات كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعها صباحاً ولا مساءً لتكون حصناً من الآفات، وحرزاً من الشرور وأماناً من المكاره.

فعلى المسلم أن يلازمها ولا يدعها اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، وحفظاً لنفسه من الشرور وأسبابها.

2- ففيها سؤال الله تعالى العافية في الدين من المعاصي والابتداع وترك الواجبات.

أما العافية في الدنيا فالسلامة من شرورها ومصائبها وغوائلها والانهماك فيها والغرور بها، وما تجره من الغفلة ونسيان الآخرة.

وأما العافية في الأهل: فسلامة أديانهم من الشهوات والشبهات، وسلامة أبدانهم من الأمراض والأسقام، وسلامة قلوبهم من فتنة الدنيا والانهماك فيها دون غيرها مما ينقصهم في حياتهم الأبدية.

ويسأل ربه ستر عورته بأن يستر أعماله القبيحة عن الناس، ثم يمن عليه بالتوبة منها والسلامة من فضيحتها وخزيها في الدنيا والآخرة، ويشمل طلب الرزق بكسوة يتجمل بها.

3- وآمن روعتي: والروعة يكون التأمين من فجائع الدنيا ومصائبها وحوادثها المروعة، ويكون من روعات يوم القيامة وهو أعظم الأمرين، ففي أهوال يوم القيامة ما يذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.

ويسأله حفظاً كاملاً وصيانة تامة تحيط به من جميع الجهات، فلا تخلص إليه الشرور ولا تصل إليه المصائب، فيحاط بحصن الله تعالى من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه.

4- ويستعيذ ويلتجئ إلى ربه بأن لا يغتال من تحته من حيث لا يشعر، فيخسف به كما خسف بقارون، أو يغرق كما أغرق فرعون، أو يأتيه حادث مروع من حوادث المعدات الثقيلة أو الخفيفة.

والله أعلم

* * *

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إنَّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّلِ عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك» أخرجه مسلم.

مفردات الحديث:

زوال نعمتك: الزوال التحول والانتقال، وأما النعمة فهي المنفعة المعمولة للغير على جهة البر والإحسان.

تحوُّل عافيتك: تحول العافية هو انتقالها فلا تنتقل إلى ضدها وهو المرض.

فَجْأة نِقْمَتِك: بفتح الفاء وسكون الجيم مقصور، وبضم الجيم والمد (فُجَاءة) وهي الأخذ بغتة.

* * *

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء» رواه النسائي وصححه الحاكم.

درجة الحديث:

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه النسائي.

وقال الحافظ زين الدين العراقي في حاشية على الإحياء: أخرجه النسائي والحاكم من حديث عبد الله بن عمر وقال: صحيح على شرط مسلم.

ما يؤخذ من الحديثين:

1- هذان الحديثان اشتملا على أدعية نبوية شريفة، وهي أشرف الأدعية لما تشمل عليه من المعاني السامية والمطالب العالية، وما فيها من شرف الألفاظ وجمع المعاني الكثيرة بالجمل القليلة.

2- قوله: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك» الأمور كلها بيد الله تعالى، فهو المعطي وهو المانع لا راد لأمره، فالاستعاذة والاعتصام من زوال النعم هي في موضعها وواقعة موقعها، فهو يسأل معطيها أن لا يزيلها، وزوال النعم يكون غالباً بسبب الذنوب، فهو يسأل ضمناً العصمة من الذنوب التي هي سبب زوال النعم.

قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.

3- قوله تعالى: «وتحوّل عافيتك» فيه الاستعاذة بالله تعالى من أن ينقل العافية منه إلى غيرها، ويسأله بقاءها سابغة عليه، وهي تشمل العافية في الدين والبدن والوطن والأهل والمال، بأن تبقى سالمة مما يطرأ عليها فيزيلها أو يهلكها أو يذهبها.

4- وقوله: «وفَجْأة نقمتك» الفجأة هي البغتة التي تأخذ الإنسان من حيث لا يكون عنده سابق إنذار وإخطار وتحذير، فيؤخذ من مأمنه حينما تفجأه النقمة ويبغته العذاب، ولات حين مناص ولا مفر.

5- قوله: «وجميع سَخَطك» تعميم بعد تخصيص، فهو يستعيذ بالله تعالى، ويعتصم من جميع الشرور والأمور التي توجب سخط الله تعالى، والذي يسخطه جل وعلا على عباده هوعموم المعاصي والذنوب من انتهاك المحرمات أو ترك الواجبات، والله أعلم.

6- وقوله: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين» الدين الغالب الظاهر هو الدين الذي ليس عند المدين ما يقضيه به.

أما إذا كان عند المدين ما يفي به الدين فهذا دين ليس بغالب.

7- الدَّين إذا غلب يسبب الهم والغم، ويكون صاحبه في قلق وتعب بدني وقلبي وفكري، وهذا هو ما استعاذ منه لأن حقوق الآدميين مبنية على الشح. ولذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من المَغْرم وهو الدَّيْن، وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً آثار الدَّين السيئة وعواقبه الوخيمة: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف».

8- أما غلبة العدو فهي تسبب لصاحبها الذلة والمهانة والحقارة، فإن العدو لا يرحم ولا يشفق وإنما يقسو ويعثو.

والقسوة قد تسبب جلاء عن الديار أو هلاكاً في الأعمار أو استيلاء على الأموال، أو غير ذلك من أنواع المضار التي يتعسفها العدو الغالب.

وتأمل أيها القارئ الكريم ما تفعله دولة إسرائيل العدو في المسلمين من استيلاء على بلدانهم، وتشريد لزعمائهم، وقتل لأبريائهم وتعذيب لما تحت أيديهم منهم، وانظر إلى الأقليات الإسلامية كيف هم مضطهدون تحت سيطرة أعدائهم، نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.

9- شماتة أعداء هو فرحهم بما يصيب الإنسان من نكبة في بدنه أو أهله أماله أو سُمعته، أو غير ذلك من نكبات الحياة ومصائبها، فإنه صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى، ويرشد أمته إلى الاستعاذة من هذه الشرور التي تسبب وينتج عنها هذه الأمور السيئة.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- توضيح الأحكام من بلوغ المرام: عبدالله البسام.

- الأذكار: الإمام النووي.

- صحيح مسلم: الإمام مسلم.

- سنن النسائي: الإمام النسائي.