حُرْمَةُ دمِ المُسْلِم
 

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يحلُّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّي رسول اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيَّب الزَّاني، والنَّفسَ بالنّفسِ، والتَّارك لدينه المفارقُ للجماعة» رواه البخاري ومسلم.

أهميته:

هذا الحديث النبوي الشريف بيان إسلامي عظيم، وقاعدة تشريعية محكمة في صيانة حياة المسلم طالما كان هذا المسلم إنسانً سوياً، سليماً من كل خلل أو اضطراب يضر بأمن المجتمع وسلامة أفراده، أما إذا أصبحت حياة الفرد خطراً على حياة الجماعة، فأصابه المرض وانحرف عن الصحة الإنسانية والسلامة الفطرية، وأصبح جرثومة خبيثة، تفتك في جسم الأمة، وتفسد عليها دينها وأخلاقها وأعراضها، وتنشر فيها الشر والضلال، فقد سقط حقه في الحياة، وأهدر وجوده ووجب استئصاله، ليحيا المجتمع الإسلامي في أمن ورخاء.

ويقول ابن حجر الهيتمي في أهميته:«وهو من القواعد الخطيرة لتعلقه بأخطر الأشياء وهو الدماء، وبيان ما يحل، وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة، وهو كذلك عقلاً، لأنه مجبول على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم..».

شرح ألفاظ الحديث:

«لا يحل دم»: أي لا تحل إراقته، والمراد: القتل.

«بإحدى ثلاث»: يحل قتل المسلم بسبب فعله صفةً أو خصلة من ثلاث خصال.

«النفس بالنفس»: تقتل النفس التي قتلت نفساً عمداً بغير حق بمقابلة النفس المقتولة.

«الثيَّب الزاني»: الثيب: من ليس ببكر، يطلق على الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب، وامرأة ثيب، وهو اسم فاعل من ثاب إذا رجع، وإطلاقه على المرأة أكثر، لأنها بصدد الرجوع والعودة إلى أهلها، والزاني: اسم فاعل من الزنا، وهو في اللغة الفجور، وشرعاً: وطء الرجل المرأة الحية في قبلها من غير نكاح.

«التارك لدينه»: كما هو لفظ الترمذي، وفي رواية البخاري «المارقُ من الدين» من المروق، وهو الخروج. والمراد بالدين: الإسلام، وهذا المفارق لدينه أو المارق منه هو المرتد.

«المفارق للجماعة»: التارك لجماعة المسلمين بالردة.

فقه الحديث وما يرشد إليه:

1- حرمة دم المسلم: إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأقر بوجوده سبحانه ووحدانيته، وصدق بنبوة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم واعترف برسالته، فقد عصم دمه وصان نفسه وحفظ حياته، ولا يجوز لأحد ولا يحل له أن يريق دمه أو يزهق نفسه، وتبقى هذه العصمة ملازمة للمسلم، ولا تسلب منه أو ترفع عنه إلا إذا اقترف إحدى جنايات ثلاث، ك منها من شأنها أن ترفع العصمة عن فاعلها وتجعله مهدر الدم، وهذه الجنايات هي:

أ- قتل النفس عمداً بغير حق.

ب- الزنا بعد الإحصان، وهو الزواج.

ج- الردة.

2- الرجم: أجمع المسلمون على أن حد زنى الثيب (المحصن) الرجم حتى يموت، لأنه اعتدى على عرض غيره، وارتكب فاحشة الزنا، بعد أن أنعم الله عز وجل عليه بالمتعة الحلال، فعدل عن الطيب إلى الخبيث، وجنى على الإنسانية بخلط الأنساب وإفساد النسل، وتنكر لنهي الله عز وجل﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ [الإسراء:32].

والمحصن: هو الحر البالغ العاقل الواطئ أو الموطوءة في القبل في نكاح صحيح. وقد ثبت الرجم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد روى الجماعة أنه رجم ماعزاً، وروى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم الغامدية، وما رواه الجماعة من قوله صلى الله عليه وسلم:«واغد يا أُنيس على امراة هذا فإن اعترفتْ فارجمْهَا، فغدا عليها عليها فاعترفتْ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فُرجمت».

وكان الرجم في القرآن الذي نشخ لفظه:«الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم». وقد استنبط ابن عباس الرجم من القرآن من قوله تعالى:﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [المائدة:15] قال: فمن كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ثم تلا هذه الآية وقال: كان الرجم مما أخفوا. أخرجه النسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

3- القصاص: أجمع المسلمون على أن من قتل مسلماً عمداً فقد استحق القصاص وهو القتل: قال الله تعالى:﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾ [البقرة:179]. ويقتل المكلف إذا قتل نفساً بغير حق عمداً سواء كان القاتل أو المقتول ذكراً أم أنثى، لما ورد في كتاب عمرو ابن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ الرجل يُقتل بالمرأة» وصح «أنه صلى الله عليه وسلم قتل يهودياً قتل جاريةً».

ويسقط القصاص إذا عفا أولياء المقتول.

وأجمعوا على وجوب القصاص إذا كان القاتل والمقتول كافرين، واختلفوا فيما إذا كان المقتول كافراً غير حربي، كالذمي والمستأمن: فذهب قوم – منهم الحنفية – إلى وجوب القصاص، عملاً بعموم قوله تعالى:﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم:«النفس بالنفس». وذهب آخرون – منهم الشافعية والحنابلة والمالكية – إلى أنه لا يُقتص من المسلم بالكافر مطلقاً، واحتجوا بما رواه البخاري وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم:«لا بُقتلُ مسلمٌ بكافر» واعتبروا هذا الحديث مخصصاً لغيره من العموميات الواردة في قتل النفس بالنفس.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالدَ لا يُقتل بقتل ولده، وصحَّ ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.

4-حد الردة: أجمع المسلمون على أن الرجل إذا ارتدا، وأصر على الكفر، ولم يرجع إلى الإسلام بعد الاستتابة، أنه يُقتل، لما جاء في الحديث «والمفارق لدينه» ولما ورد البخاري وأصحاب السنن: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ بَدَّلَ دينَه فاقتلوه».

واختلفوا في قتل المرأة إذا ارتدت، فذهب جمهور العلماء إلى أنها تُقتل كالرجل، لعموم الأدلة. وقال الحنفية: لا تقتل، وإنما تحبس حتى تسلم أو تموت في الحبس، واحتجوا لذلك بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء في الحرب، دون تفريق بين الكافرة الأصلية والمرتدة.

5- تارك الصلاة: وأجمع المسلمون على أن من ترك الصلاة جاحداً بها فقد كفر واعتبر مرتداً، وأقيم عليه حد الردة. وأما تركها كسلاً وهو يعترف بفرضيتها فقد اختلفوا في ذلك: فذهب الجمهور إلى أنه يُستتاب فإن لم يتب قتل حداً لا كفراً، وذهب الإمام أحمد وبعض المالكية إلى أنه يقتل كفراً، وقال الحنفية: يحبس حتى يصلي أو يموت، ويعزر في حبسه بالضرب وغيره. قال الله تعالى:﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الروم:31] وقال سبحانه:﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة:11]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه الإمام أحمد ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي.

6- من يقوم بتنفيذ القصاص والحدود: يقوم بتنفيذ القصاص ولُّي المقتول بأمر من الحاكم، وكذلك المرتد والزاني المحصن إنما يأمر الحاكم بتنفيذ العقوبة فيهما، فإذا اقتص الولي دون إذن الحاكم، أو قتل المرتد أو الزاني المحصن أحد دون أمر الحاكم أيضاً، فإنه يعزر الولي والقاتل، لتعديهما على وظيفة الحاكم، ولا يُقتلان، لأن قتلهما كان بحق.

7- وأفاد الحديث:

أ- أن الدين المعتبر هو ما عليه جماعة المسلمين، وهم الغالبية العظمى منهم.

ب- الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم الشذوذ عنهم.

ج- التنفير من هذه الجرائم الثلاثة والتحذير من الوقوع فيها.

د- تربية المجتمع على الخوف من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن قبل تنفيذ الحدود.

هـ- الحدود في الإسلام رادعة، ويقصد منها الوقاية والحماية.

و- القود (القصاص) لا يكون إلا بالسيف عند الحنفية، وقال الشافعية: يُقتل القاتل بمثل ما قتل به، وللولي أن يعدل إلى السيف.

* * *