تتبوأ السنة منزلة عظيمة
في الإسلام ، فهي التطبيق العملي لما في كتاب الله ، وقد جاءت عاضدة لآياته ،
كاشفة لغوامضه ، مجلية لمعانيه ، شارحة لألفاظه ، موضحة لإبهامه ، كما أنها جاءت
بأحكام لا توجد في كتاب الله ، ولم ينص عليها فيه ، وهي لا تخرج عن قواعده وغاياته
، فلا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، وذلك لأهميتها العظمى في فهم دين
الله والعمل به .
وقد أوضح العلماء أوجه
السنة مع القرآن ، وأنها على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أن تأتي مؤكدة لآيات من القرآن الكريم ، ومثاله أحاديث وجوب الصلاة
والزكاة والصوم والحج ، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمررضي الله عنهما :
( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة
وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) رواه البخاري ، فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى في
شأن الصلاة والزكاة : {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (البقرة83) ، ولقوله تعالى
في شأن الصوم : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون } (البقرة 183) ، ولقوله تعالى في شأن الحج : {ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } (آل عمران 97) .
النوع الثاني : أن تأتي
مبينة لكتاب الله ، قال سبحانه : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
ولعلهم يتفكرون } ( النحل 44) ، وبيان السنة للقرآن يتمثل في عدة جوانب منها :
1. بيان مجمله : فقد جاءت
كثير من أحكام القرآن العملية مجملة ، فبينت السنة إجمالها ، ومن ذلك أن الله أمر
بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها وغير ذلك ، فبينت السنة كل
ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعليمه لأصحابه كيفيتها ، وأمره لهم
بأدائها كما أداها ، فقال صلى الله عليه وسلم :( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه
البخاري ، وفرض الله الزكاة من غير بيان لمقاديرها وأوقاتها وأنصبتها ، وما يزكَّى
وما لا يزكَّى ، فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله ، وشرع الله الحج من غير أن
يبين مناسكه ، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله تلك المناسك وقال في حجة
الوداع : ( لتأخذوا عني مناسككم ) رواه مسلم ، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم أحكام
الصوم مما لم ينص عليه في الكتاب ، وأحكام الطهارة والذبائح والصيد والأنكحة ،
وأحكام البيوع والجنايات والحدود ، وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وفصله النبي
صلى الله عليه وسلم .
2. تخصيص عامه : فقد وردت
في القرآن أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها ، ومن ذلك قوله تعالى : { يوصيكم الله
في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } (النساء 11) ، فهذه الآية عامة في كل أصل موروث
، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا
نوْرَثُ ما تركنا صدقة ) رواه البخاري .
3. تقييد مطلقه : فقد ورد
في القرآن آيات مطلقه جاءت السنة بتقييدها ، ومن ذلك قوله تعالى : { من بعد وصية
يوصي بها أو دين } ( النساء 11) ، فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم
تحدد مقدارها ، فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث .
4. توضيح المشكل : فقد
أشكل فهم بعض الآيات على الصحابة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما
أشكل عليهم ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال
: لما نزلت هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ( الأنعام 82) ، شق
ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس بذاك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان :
{إن الشرك لظلم عظيم } )( لقمان 13) ، ففهم الصحابة رضي الله عنهم أن المراد
بالظلم في الآية عموم الظلم ، فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض
الحقوق ، فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال بأن الظلم ليس على عمومه ، وإنما
المقصود منه أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بالله عز وجل .
وهذان النوعان السنة
المؤكدة والسنة المبينة لم يخالف فيهما أحد من أهل العلم .
النوع الثالث : أن تأتي
السنة بأحكام زائدة على ما في القرآن ، فتوجب أمراً سكت القرآن عن إيجابه ، أو
تحرم أمراً سكت القرآن عن تحريمه ، ومن أمثلة هذا النوع الأحاديث التي تحرم الجمع
بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وتحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع
، وغير ذلك .
وهذا النوع وإن كان
زائداً على ما في القرآن إلا أنه تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مما
يجب طاعته فيه ولا تحل معصيته امتثالاً لما أمر الله به من طاعة رسوله قال تعالى :
{ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} ( النساء 80) .
وبهذا نتبين منزلة السنة
ومكانتها في الشريعة ، وأنه لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، بل لا يمكن
أن يفهم الكتاب بمعزل عن السنة ، وأي دعوة لفصل أحدهما عن الآخر إنما هي دعوة ضلال
وانحراف ، وهي في الحقيقة دعوة إلى هدم الدين وتقويض أركانه والقضاء عليه من أساسه
.
- موقع
الشبكة الإسلامية.