حديث: كُلُّ خَيرٍ صَدَقة (1)
 

عن أبي مالكٍ الحارث بن عاصمٍ الأشعريِّ رضي الله عته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الطُّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمد لله تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمد لله تملآنِ – أو تَمْلأُ – ما بين السَّماواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ برهانٌ، والصَّبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كُلُّ النَّاسِ يَغدو، فبائعٌ نفسه، أو مُوبقها» رواه مسلم.

* لغة الحديث:

«الطُّهور»: فعل ما يترتب عليه رفع حدث، كالوضوء والغسل، أو إزالة نجس، كتطهير الثوب والبدن والمكان، أو المراد الوضوء فقط.

«شطر»: نصف كما ورد في رواية عند أحمد والترمذي «الطهور نصف الإيمان».

«الحمد لله»: الثناء الحسن على الله تعالى لما أعطى من نعم، والمراد هنا: ثواب لفظ الحمد لله.

«الميزان»: كفة الحسنات من الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة.

«سبحان الله»: تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن النقائص، والمراد هنا ثواب لفظ سبحان الله.

«الصلاة نور»: أي تهدي إلى فعل الخير كما يهدي النور إلى الطريق السليم.

«برهان»: دليل على صدق الإيمان.

«الصبر»: حبس النفس عما تتمنى، وتحملها ما يشق عليها، وثيابها على الحق رغم المصائب.

«ضياء»: هو شدة النور، أي بالصبر تنكشف الكربات.

«حجة»: برهان ودليل ومرشد ومدافع عنك.

«يغدو»: يذهب باكراً يسعى لنفسه، والغدو الذهاب ما بين طلوع الفجر وشروق الشمس.

«بائع نفسه»: لله تعالى بطاعته، أو لشيطانه وهواه بمعصية الله تعالى وسخطه.

«مُعتقها»: مخلصها من الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

«موبقها»: مهلكها بارتكاب المعاصي وما يترتب عليها من الخزي والعذاب.

* فقه الحديث وما يرشد إليه:

1- الحكمة البالغة: لقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وما أكثر ما كان يوجه نصائح إلى أصحابه، بألفاظ واضحة مختصرة، تنطوي على كل خير وتحذر من كل شر، دون أن يكون هناك تعقيد في اللفظ أو إخلال بالمعنى، والحديث الذي بين أيدينا يشمل على توجيهات رائعة، وحكم نبوية بالغة، وعظات صادرة عمن لا تنطوي عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. وسنوضح هذه العظات فيما يلي إن شاء الله تعالى.

2- الطهارة وثوابها: الطهارة شرط لصحة العبادة، وعنوان الله تعالى. فلقد بين صلى الله عليه وسلم، مطمئناً المسلمين الخاشعين، أن ما يقوم به المؤمن من طهارة لبدنه وثوبه – استعداداً لمناجاة ربه – أثر هام وبارز من آثار إيمانه، إذ يعبر به عن إذعانه لأمره، واستجابته لندائه إذ قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة: 21]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ﴾ [المائدة: 6]. وقال: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]. فيقوم ويحتمل المكاره، ليقف بين يدي الله تعالى نقياً تقياً، حسن الرائحة والسمت كما أحسن الله خلقه، وقد وجبت له محبة الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

أ- نصف الإيمان: لقد بين صلى الله عليه وسلم أن أجر الطهارة، من وضوء وغيره، يتضاعف عند الله تعالى حتى يبلغ نصف أجر الإيمان، وذلك لأن الإيمان يمحو ما سبقه من الخطايا الكبيرة والصغيرة، والطهارة – وخاصة الوضوء – تمحو ما سبقها من خطايا صغيرة، فكانت كنصف الإيمان.

روى مسلم، عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره».

وأيضاً: الإيمان تنظيف للباطن من الأدران المعنوية، كالشرك بالله تعالى والنفاق وما أشبه ذلك، والطُّهور تنظيف للظاهر من الأدران الحسية، ولذا كان علامة المؤمنين يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرّاً محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل». متفق عليه. أي يسطع النور من نواصيهم وأيديهم وأرجلهم.

ب- الطهارة نصف الصلاة: وهنالك من شرح الإيمان في الحديث بالصلاة، مستدلاً بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143]. أي صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس. وقال هؤلاء: الطهارة شطر الإيمان أي نصف الصلاة، لأن الطهارة شرط في صحتها، والشرط كالشطر.

ج- الوضوء مفتاح الجنة: لقد جاء في كتاب الله تعالى أن دخول الكفار النار كان بسبب عدم انخراطهم في صفوف المسلمين، قال تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ42/74قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 28 – 29]. فالصلاة هي المنقذ من النار وهي طريق العبور إلى الجنة، والطهارة مفتاح الصلاة فصار مفتاح الجنة بالواسطة. وعند مسلم: « ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءَه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة». وعنده أيضاً «ما منكم من أحد يتوضأ، فيبلغ – أو يسبغ – الوضوء، ثم يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء».

د- من خصال الإيمان: الوضوء من خصال الإيمان الخفية التي لا يُحافظ عليها إلا المؤمن، قال عليه الصلاة والسلام:«لن يُحافظَ على الوضوء إلا المؤمن» رواه ابن ماجه والحاكم. لأنه أمر غير ظاهر إلى جانب ما فيه من المكاره، ولذا كان المحافظ عليه أسبق إلى دخول الجنة.

روى ابن خزيمة في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوماً فدعا بلالاً فقال: «يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت البارحة الجنة، فسمعت خشخشتك أمامي» فقال بلال: يا رسول الله، ما أذَّنْتُ قط إلا صلَّيت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده. فقال صلى الله عليه وسلم: «لهذا».

هـ - الطهارة أمانة: روى ابن ماجه، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةُ، وأداةُ الأمانة، كفارةٌ لما بينهن» قيل: وما أداء الأمانة؟ قال: «الغسلُ من الجنابة. فإن تحت كلِّ شعرةٍ جنابة». ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: «فإنَّ الله لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها». وذلك لأنها أمر معنويٌ حكميٌ يقومُ في البدن، لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، ولا يعلمها إلا صاحبها، ولا تزول إلا بفعل صاحبها وقصده، ويغلب أن لا يطلع على الفعل أحد، كما أن القصد أمر خفي، فلذلك كانت إزالتها بالطهارة من أداة الأمانة.

و- طهارة القلب: لا قيمة للطهارة الحسية إذا لم ترافقها الطهارة المعنوية، ولذا لا بد أن يرافق الطهور الجسمي لدى المؤمن طهارة القلب، وحسن النية وصحة القصد واستقامة العمل، بل لقد فسر الغزالي الطهور في الحديث بطهارة القلب من الغل والحسد والحقد وسائر أمراض القلب، لأن الإيمان يتم بذلك، وفسر أيضاً بترك المعاصي والذنوب، قال تعالى على لسان قوم لوط، في وصفهم لوطاً عليه السلام وأهله، في بعدهم عن فعل لفاحشة: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82] و[النمل: 56].

3- ذكر الله تعالى وشكره: إن التعبير عن شكر الله عز وجل بالإكثار من ذكره، ولا سيما بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ وألفاظ يملأ ثوابه كفة ميزان الأعمال الصالحة يوم القيامة، فترجح بها عن السيئات، ويكون صاحبها من الناجين المقربين عند الله تعالى. ولا سيما إذا ضم إلى الحمد تنزيه الله عز وجل وتقديسه،وتعظيمه وتكبيره، وتمجيده وتوحيده.

«والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأُ – ما بين السماوات والأرض» وعند مسلم وغيره «والتسبيح والتكبير ملء السماء والأرض» وعند الترمذي « ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجابٌ حتى تصل إليه».

وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل هذه الكلمات الأربع: ففي مسند أحمد رحمه الله تعالى، عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحُطَّتْ عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله مثل ذلك، ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُطَّتْ عنه ثلاثون سيئة».

فمن عبر عما سبق بلسانه، معتقداً بما تلفظ بملء قلبه ونفسه، مستحضراً لمعانيها بفكره وعقله، فإنه ينال جزاءً عظيماً، لو كان يقاس بالمساحات ويقدر بالأحجام لسد ما بين السماوات والأرض، وكان ل سلماً يصعد عليه إلى درجات العلى، فعند الترمذي، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء، حتى يفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر». يفضي يصل، والعرش سقف الفردوس الأعلى من الجنة، فمن وصل إليه فقد نزل أعلى المنازل ونال أرقى الدرجات.

هذا ولقد قال العلماء: هذه الجمل الأربع هي الباقيات الصالحات، والله تعالى يقول: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46] فهي التي يبقى ثوابها عند الله عز وجل وينمو ويعظم، وهي خير من المال والأهل والولد.

- اطمئنان القلب: لا بد حال الذكر من استحضار القلب وفم المعاني ما أمكن حتى يكون لذلك أثر في نفس المسلم، فيطمئن قلبه ويستقيم سلوكه: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

- الإكثار من الذكر: المؤمن في حاجة ماسة إلى اطمئنان قلبه واستقرار نفسه، ولذا لا بد له أن يكثر من ذكر الله عز وجل، حتى يكون دائماً على صلة به، معتمداً عليه، مستمداً لعونه ونصرته، طالباً لعفوه ومغفرته، حتى يذكره الله تعالى في ملكوته، فيشمله بفضله ورحمته، ويسلكه مسالك الهدى والحق: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا41/33وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا42/33هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 41 – 43].

بكرة وأصيلاً: عند طلوع الشمس وعند ميلانها للغروب والمراد جميع الأوقات.

4- الصلاة نور: الصلاة فريضة محكمة وركن أساسي من أركان الإسلام، وهي – كما بين صلى الله عليه وسلم – نور مطلق تدل صاحبها على طريق الخير، وتمنه من المعاصي، وتهديه سبيل الاستقامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. فهي نور معنوي يستضاء به في طرق الهداية والحق، كما يُستضاء بالضياء المادي إلى الطريق القويم والسلوك السليم وهي تكسب المسلم الهيبة والبهاء في الدنيا كما تشع النور على وجهه يوم القيامة: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم: 8]. وذلك لأن الذي يستقيم مع الله تعالى ويقف بين يديه خاشعاً متبتلاً كل يوم خمس مرات، يستقيم حاله مع الناس، ويتميز بأخلاقه قال تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: 29]. أخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا حافظ العبدُ على صلاته، فأقام وضوءَها وركوعَها وسجودَها والقراءةَ فيها، قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصعِد بها إلى السماء ولها نور، تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها».

- نور الجماعة والمسجد: فإذا حافظ المسلم على الصلاة مع الجماعة كانت له نوراً على نور، وإذا كانت في المسجد استكمل النور وكان الفوز والفلاح، وسبق إلى الجنة مع المقربين الأبرار، قال عليه الصلاة والسلام: «من صلَّى الصلواتِ الخمس في جماعة جازَ على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة من السابقين، وجاء يوم القيامة كالقمر ليلة البدر». رواه الطبراني. وقال صلى الله عليه وسلم: «بَشِّر المَشَّائينَ في الظلم إلى المساجد بالنور التام يومَ القيامة». رواه أبو داود والترمذي.

- قرة عين وتفريج كرب: الصلاة صلة العبد بربه، ومناجاة لخالقه، ولهذا كانت قرة عين المتقين يجدون فيها الراحة والسكينة والأمن، ويهرعون إليها كلما نزل بهم ضيق أو ألم بهم كرب، ولا غرابة فهم ينهلون من منبع سيد المرسلين القائل: «جُعلت قرَّة عيني في الصلاة». رواه أحمد والنسائي. قرة عيني: ما تسر به نفسي وتتمتع به عيني. والذي كان إذا حَزَبَه أمر قال: «يا بلال أقم الصلاة، وأرحنا بها» رواه أبو داود. حَزَبه أمر: نزل به ما يغمه ويهمه.

5- الصلاة برهان: البرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس قال صلى الله عليه وسلم: «إن روح المؤمن تخرج من جسدها لها برهان كبرهان الشمس». ومنه سميت الحجة القاطعة برهاناً لوضوح دلالتها على ما دلت عليه.

فكذلك الصدقة برهان على صحة الإيمان وطيب النفس بها علامة على وجود الإيمان وطعمه، قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأدَّى زكاة ماله طيبِّة بها نفسه، رافدة عليه في كل عام»رواه أبو داود. رافدة: معينة، والرفد الإعانة والمعونة. وسبب ذلك: أن المال تحبه النفوس وتبخل به، فإذا سمحت بإخراجه لله عز وجل دل ذلك على صحة إيمانها بالله وتصديق وعده ووعيده.

طهارة وصدق:المسلم الطاهر النظيف من الأوساخ المادية، المعبر عن شكره لله بقوله، مؤدياً حق الله في عبادته، طاهر نظيف من الأوساخ المعنوية، ومن أبرزها الشح والبخل، والمسلم أبداً سخي كريم، سمح جواد، فلا يجتمع بخل وإيمان في قلب امرئ واحد، قال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9] و[التغابن: 19]. ولذا كانت الصدقة، وكان الإنفاق في وجوه الخير ولمساعدة الفقراء والمساكين إرضاءً لله وابتغاء وجهه فرضاً كان أو تطوعاً، دليلاً قاطعاً وعلامة واضحة على صدق الإيمان، وأن فاعلها في عداد المؤمنين المفلحين، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ1/23الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ2/23وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ3/23وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ [المؤمنون: 1 – 4].

6- الصبر ضياء: الضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق، كضياء الشمس، بخلاف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، وكان الصبر ضياء لأنه شاق على النفوس، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه.

الصبر طريق النصر: لا يزال المسلم على صواب ما استمر في صبره، وذلك أن الإنسان يعيش في الدنيا تحوفه الشدائد، وتحيط به المصائب، وكل ذلك يحتاج إلى ثبات وقوة، وإلا تلاشى الإنسان وضاع، وما أكثر ما يحتاج المسلم في حياته إلى الصبر، فالطاعة تحتاج إلى صبر، وترك المعاصي يحتاج إلى صبر وتحمل المكاره والمصائب يحتاج إلى صبر، ولذلك كان التخلق بالصبر قوة لا تساويها قوة، ونوراً عظيماً لا يزال صاحبه مستضيئاً إلى الحق مستمراً على الصواب. ولذا استحق المؤمنون الصابرون الثناء من الله تعالى، مع مزيد من الأجر والمثوبة، قال تعالى على أيوب عليه السلام: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44]. وقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ 155/2الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ 156/2أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155 – 157]. انظر موضوع الصبر مفصلاً في شرح الحديث رقم /19/.

7- القرآن حجة: المسلم منهاجه القرآن وإمامه كتاب الله تعالى: يهتدي بهديه، ويأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويتخلق بأخلاقه، فمن فعل ذلك انتفع بالقرآن إذا تلاه، وكان دليلاً له يدله على النجاة في الدنيا، وبرهاناً يدافع عنه يوم القيامة، ومن تنكب الطريق وانحرف عن تعاليم القرآن، كان القرآن خصمه يوم القيامة، وكلما كثرت تلاوته دون عمل كان ذلك زيادة في إثمه، لأنه يبرهن بنفسه على نفسه: أنه منحرف عن الطريق القويم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9] «لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله» أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شافعاً يوم القيامة».