حبه صلى الله عليه وسلم التيمن في شأنه كله
 

روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه التيمُّنُ في تنعُّله وترجُّله، وفي طُهوره وفي شأنه كله».

وفي رواية لمسلم: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ التيمُّن ما استطاع: في طهوره وتنعُّله وترجُّله، وفي شأنه كلِّه».

والتيمُّن: هو الابتداء في الأفعال باليد اليمنى، إن كان الفعل منوطاً باليد، وبالرجل اليمنى إن كان منوطاً بالرجل، وبالجانب الأيمن إن كان الفعل متعلقاً بالجوانب.

والحكمة في ذلك كما أوضحه العلماء والعرفاء: هو أنه من باب تكريم اليمين، والتفاؤل الحسن، فإن أصحاب اليمين هم أهل الجنة، ويؤثوْن كتبهم بأيمانهم، ونورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم.

وفي هذا يتجلى تمام تنظيمه صلى الله عليه وسلم وهديه في مباشرة العمال، وذلك أنه لا بد من تقديم أحدِ طرفي اليمين أو الشمال في مباشرة الأعمال، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفوضى في ذلك، وسنَّ البدء باليمين، ورجَّحها على الشمال- لما تقدَّم.

فكان صلى الله عليه وسلم يبدأ باليمين في طهوره- أي: تطهره، وهذا شامل للوضوء والغسل والتيمم، وفي ترجُّله- أي: تمشيط شعر رأسه الشريف ولحيته صلى الله عليه وسلم، وفي تنعُّله- أي: لبس نعله.

وزاد أبو داود في روايته: وفي سواكه صلى الله عليه وسلم، وفي شأنه كله.

وجاء في رواية النسائي: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ التيمُّن: يأخذ بيمينه ويعطي بيمينه، ويحب التيمُّن في جميع أمره».

وهذا العموم الوارد في تيامنه صلى الله عليه وسلم في جميع أمره هو- كما قال الإمام النووي وغيره- محمول على ما كان من باب التكريم والتزيين: كالأخذ والعطاء، ودخول المسجد والبيت، وحلق الرأس وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الابط والاكتحال، والاضطجاع، والأكل والشرب.

وأما ما لا تكريم فيه ولا تزيين، بل هو باب الإزالة، فإنه يؤخذ باليسار، إكراماً لليمين أيضاً، كما دلَّ عليه ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطُهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذىً».

وروى أيضاً في كتاب الطهارة، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك».

وروى أيضاً هن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بال أحدكم فلا يمسَّ ذكرَه بيمينه، وإذا أتى الخلاءَ فلا يتمسَّح بيمينه، وإذا شرب فلا يشربْ نَفَساً واحداً».

وكان صلى الله عليه وسلم يأمر باستعمال اليمين في الطعام والشراب، والأخذ والعطاء، وينهى عن استعمال الشمال في ذلك:

روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليأكل أحدكم بيمينه ويشرب بيمينه، وليأخذْ بيمينه، ولْيعطِ بيمينه.

فإن الشيطان يأكلُ بشماله، ويشرب بشماله، ويعطي بشماله ويأخذ بشماله».

وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأكلنَّ أحدكم بشماله ولا يشربنَّ بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها».

وكان صلى الله عليه وسلم يقدِّم الأيمن فالأيمن، ويقول: «الأيمن فالأيمن»:

روى الشيخان واللفظ للبخاري عن أنس رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً واتى داره فحلبتُ شاةً فشِبْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البئر، فتناول القدَح فشرب، وعن يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابي، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابيَّ فضلَه، ثم قال: «الأيمن فالأيمنَ».

وفي رواية: «الأيمنون فالأيمنون» وفي رواية: «ألا فيمِّنوا».

قال الحافظ في (الفتح): أي: يقدَّم من على يمين الشارب في الشرب، ثم الذي عن يمين الثاني، وهلمَّ جراً، وهذا مستحب عند الجميع.

وقال ابن حزم: يجب.

فيبدأ بكبير القوم أو مقدَّمهم في الفضل، أو رئيسهم، ثم بمن على يمينه.

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (شمائله المحمدية وخصاله المجيدة): الشيخ عبدالله سراج الدين.

-          الشمائل المحمدية: د. مصطفى البغا.