حول قوة سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم
 

إنَّ الله تعالى أعطى رسوله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قوة في السمع خاصةً، فكان يسمع ما لا يسمع غيره:

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّتِ السماء، وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضعٌ جبهته لله تعالى ساجداً، والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله تعالى».

ومن ذلك سماعه صلى الله عليه وسلم فتح باب السماء:

روى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل على الصفا، فقال: «يا جبريل والذي بعثك بالحق ما امسى لآل محمد سَفة من دقيق، ولا كفّ من سويق» فلم يكن كلامه بأسرعَ من أن سمع هدَّةً في السماء أفزعته، فقال صلى الله عليه وسلم: «أمر الله تعالى القيامة أن تقوم؟» فقال- جبريل- : «لا،ولكن أمر إسرافيل، فنزل إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك، أُسيرِّ معك جبال تِهامة زمرداً وياقوتاً، وذهباً وفضة، فإن شئتَ نبيّاً ملِكاً، وإن شئتَ نبيّاً عبداً» فأومأ إليه جبريل: أن تواضع، فقال: «بل نبياً عبداً- ثلاثاً- فلو أني قلت: نبيّاً ملِكاً لسارت الجبال معي ذهباً».

روى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار ونحن معه، إذ جادتْ به بغلته فكادت تُلقيه، وإذا أقبرٌ ستة أو خمسة، فقال صلى الله عليه وسلم: «من يعرف أصحاب هذه القبور؟» فقال رجل: أنا.

فقال صلى الله عليه وسلم: «متى ماتوا؟» قال: في الشرك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة تُبْتَلى في قبورها، فلولا أنْ لا تَدافَنُوا، لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه...» الحديث.

فكان صلى الله عليه وسلم يسمع عذاب المعذَّبين في قبورهم، وبيَّن أنه لولا خشية أن لا يدفن بعضهم بعضاً إذا سمعوا عذاب القبر: لدعا الله أن يسمعهم ذلك، ولكن إذا سمعوا عذاب القبر اعتراهم الخوف والفزع، وذلك مما يؤدي إلى ترك دفن بعضهم مخافةً من سماع ذلك.

 

ومن ذلك سماعه صلى الله عليه وسلم هدَّة صخرة هوتْ من شفير جهنم:

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتاً هالَه- أي: أفزعه- فأتاه جبريل عليه السلام، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الصوت يا جبريل؟» فقال: «هذه صخرة هَوتْ من شفير جهنم، من سبعين عاماً، فهذا حين بلغت قعرها، فأحبَّ الله أن يسمعك صوتها، فما رُؤِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً مِلء فيه حتى قبضه الله عز وجل».

 

ومن ذلك سماعه صلى الله عليه وسلم عذاب المقبورين والغيابين والذين لا يستنزهون ولا يستترون من البول:

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بحائط من حيطان مكة أو المدينة، فسمع صوت إنسانين يُعَذَّبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهما ليعذبان وما يعذَّبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة».

وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع الغَرْقَد، وكان الناس يمشون خلفه، قال: فلما سمع صوت النعال وَقَرَ ذلك في نفسه، فجلس حتى قدَّمهم أمامه، فلمّا مرَّ ببقيق الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين، قال: فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ دفنتم ههنا اليوم؟» قالوا: فلان وفلان.

قالوا: يا نبي الله وما ذاك؟! قال: «أما أحدهما فكان لا يتنزَّه من البول، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة».

وأخذ جريدةً رطبةً فشقها، ثم جعلها على القبرين، قالوا: يا نبي الله لمَ فعلتَ هذا؟ قال: «ليُخَففَ عنهما» قالوا: يا رسول الله حتى متى هما يعذبان؟ فقال: «غيب لا يعلمه إلا الله، ولولا تمزُّعُ – أي: تَقطُّع- قلوبكم وتزيُّدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع».

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (شمائله المحمدية وخصاله المجيدة): الشيخ عبدالله سراج الدين.

-          الشمائل المحمدية: د. مصطفى البغا.