الحديث التاسع:الأخذُ باليَسير وتَركُ التَعْسِير
الطاعة وعدم التعنت سبيل النجاة
 

عن أبي هريرةَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قال:سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نَهَيْتُكُمْ عنهُ فاجتَنِبوهُ، وما أمرْتُكُمْ بهِ فأتُوا منهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أهلكَ الذينَ منْ قبلِكُمْ كثرةُ مسائلهمْ واختلافُهُمْ على أنبيائِهِمْ » رواه البخاري ومسلم.

 

* أهميته:

لقد ذكر العلماء: أن هذا الحديث ذو أهمية بالغة وفوائد جلى، تجعله جديراً بالحفظ والبحث:

قال النووي في شرح مسلم عند الكلام عنه: هذا من قواعد الإسلام المهمة،ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام.

وقال ابن حجر الهيتمي في شرحه للأربعين: وهو حديث عظيم من قواعد الدين وأركان الإسلام، فينبغي حفظه والاعتناء به.

ومثل هذا قال غيرهما من الشرَّاح الذين تناولوا بالشرح والبيان. وتكمن أهمية هذا الحديث، فيما يوجه إليه من التزام شرع الله عز وجل، الذي لا يخلو أن يكون أمراً أو نهياً، وما ينبه إليه من ضرورة الوقوف عند حدود ما بيَّنه كتاب الله تعالى، وما فصَّلته سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، دون إفراط أو تفريط، ودون شطط أو تقصير.

وستتجلى هذه الأهمية فيما يلي من بحث، يكشف عن معنى الحديث ومرماه، ويُوضح صدق ما قاله هؤلاء الأجلاء من أعلام المسلمين.

 

* لغة الحديث:

«نهيتكم عنه»: طلبت منكم الكف عن فعله، والنهي: المنع.

«فاجتنبوه»: اجعلوه في جانب، أي اتركوه، وفي رواية «فدعوه».

«أمرتكم به» طلبت منكم أن تفعلوه.

«فأتوا»: فافعلوا، كما في رواية.

«ما استطعتم»: ما قدرتم عليه وتيسر لكم فعله دون كبير مشقة.

«أهلك»: صار سبب الهلاك، إذ أوجب العقوبة في الدنيا والآخرة.

«كثرة مسائلهم»: أسئلتهم الكثيرة، لا سيما فيما لا حاجة إليه ولا ضرورة.

«اختلافهم على أنبيائهم»: عصيانهم لهم، وترددهم في أخبارهم، وجدالهم فبما جاؤوا به من شرع.

 

* فقه الحديث وما يرشد إليه:

1- ما نهيتكم عنه فاجتنبوه: لقد ورد النهي في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعان عدة، والمراد به هنا ما تناول أحد معنيين اثنين، هما أساس في استعمال صيغة النهي لدى العلماء، وهما: التحريم والكراهة:

أ- نهي التحريم: هناك تصرفات نهى الله عز وجل عنها، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وقامت الأدلة على أن هذا النهي للتحريم، أي يحرم على المكلف فعل ما نهي عنه، وإن فعله عوقب عليه العقوبة المترتبة شرعاً، في الدنيا وفي الآخرة.

ومن أمثلة ذلك: النهي عن الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والسرقة وقتل النفس بغير حق، وكشف العورة، وإظهار النساء للزينة أمام الأجانب،  ونشر الفساد، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه في شرع الله عز وجل، وطلب الكف عنه على سبيل الإلزام والحتم.

فمثل هذه المنهيات يجب اجتنابها دفعة واحدة، إجمالاً وتفصيلاً، ولا يجوز للمكلف فعل شيء منها، إلا إذا ألجأته إلى ذلك ضرورة، بقيود وشروط بيّنها شرع الله تعالى المحكم.

ب- نهي الكراهة: ويسمى أحياناً نهي التنزيه، وذلك أن الشارع نهى عن تصرفات، ولكن قامت الأدلة على هذا النهي للكراهة وليس للتحريم، أي لا يحرم على المكلف فعل ما نهي عنه، وإن فعله لا يعاقب عليه.

ومن أمثلة ذلك: النهي عن أكل البصل أو الثوم النيئ، لمن أراد حضور صلاة الجمعة أو الجماعة،ونحو ذلك، مما ثبت النهي عنه في شرع الله عز وجل، وطلب من المكلف عنه، لكن لا على سبيل الحتم والإلزام.

فمثل هذه المنهيات يجوز فعلها، كلاً أو بعضاً، سواء دعت إلى ذلك ضرورة أم لا، وإن كان الأليق بحال المسلم التقي اجتنابها.

 2- الضروات تبيح المحظورات: علمنا أن ما نهي تحريم يجب الكف عنه جملة واحدة، ولكن المكلف قد يقع في ظروف تضطره إلى فعل المحرم، وتلجئه إلى إتيان المحظور، وإن هو امتنع عن ذلك ألقى بنفسه إلى التهلكة. قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:173]

وعملاً بهذا واستنتاجاً منه وضع العلماء هذه القاعدة الفقهية: (الضرورات تبيح المحظورات).

ومن أمثلة ذلك: إباحة أكل الميتة لمن فقد الطعام ولم يقدر على غيرها، وجواز كشف العورة للتداوي أمام الطبيب،

وحتى لا يقع المكلفون في هذا الخطأ، نجد الفقهاء حدَّدوا معنى الضرورة: بما يجعل الإنسان في خطر يهدده بالموت، أو بإتلاف عضو من أعضائه أو زيادة مرض، فوضعوا هذه القاعدة (الضرورة تقدر بقدرها). أخذاً من قوله تعالى: ﴿ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ﴾ أي غير قاصد للمخالفة والمعصية، وغير متعد حدود ما يدفع الاضطرار.

وليس من الاضطرار في شيء التوسع في الدنيا ومسايرة المجتمع في عاداته المستوردة: فمن كان ذا رأسمال قليل ليس مضطراً للتعامل بالربا ليوسع تجارته. ، دفعاً للمفسدة التي تجرُّ الويلات على العباد والبلاد وعملاً بقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) لتحصل على إعجابه ورضاه.

3- التزام الأمر (أقسام الأمر والتزام المأمورات):

لقد ورد الأمر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لمعان عدة، وقد اتفق من يُعتد بهم من العلماء، على أن الأصل في الأمر هو الطلب، وأنه يتناول أحد معنيين أساسيين هما: الإيجاب والندب، وهذا المعنى هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «وما أمرتكم به» أي أمر إيجاب أو أمر ندب، وإليك بيان ذلك:

أ- أمر الإيجاب: أمر الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم المسلمين، أن يقوموا بتصرفات ويسمى: واجباً.

ومن أمثلة ذلك: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والصيام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بما أنزل الله عز وجل، ونحو ذلك، مما ثبت الأمر به في شرع الله عز وجل، وطلب فعله من المكلف على سبيل الحتم والإلتزام.

فمثل هذه المأمورات يجب أداؤها، ولا يجوز التساهل في شيء منها، ولا يُعذر المكلف بالإخلال بها، إلا إذا فقدت بعض شروطها أو أسبابها.

ب- أمر الندب: وذلك أن الله تعالى، أمر المسلم، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، بتصرفات كثيرة، وقامت الأدلة على أن هذا الأمر للندب ويسمى: مندوباً.

ومن أمثلة ذلك: الأمر بالسنن الرواتب مع الصلوات الخمس، والأمر بالأذان ونحو ذلك، مما ثبت الأمر به في شرع الله عز وجل، وطلب من المسلم فعله، لكن لا على سبيل الحتم والإلزام، وإنما على سبيل الندب والاستحباب.

فمثل هذه المأمورات يُستحسن بالمسلم فعلها والتزامها

4-المشقة تجلب التيسير: من المعلوم أن شرع الله عز وجل يهدف إلى تحقيق السعادة المطلقة للإنسان، في كل من دنياه وآخرته، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185]. وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر.. يسروا ولا تعسروا» أخرجه البخاري.

ومن الثابت شرعاً: أن الله تعالى باح الفطر في رمضان للمسافر والمريض وغير ذلك من الأحكام التي يُسميها العلماء: رخصاً.

واعتماداً على ما ثبت في شرع الله عز وجل من اليسر ورفع الحرج، ، وضع الفقهاء هذه القاعدة: «المشقة تجلب التيسير» واعتبروها مبدأ من المبادئ التي يقوم عليها الفقه الإسلامي.

ومعنى هذه القاعدة: أن المكلف إذا أحاطت به بعض الظروف، جعلت من العسير عليه القيام ببعض الواجبات الشرعية، وأوقعه التزامها على الوجه الأكمل في مشقة وعسر، وكانت تلك المشقة سبباً للتيسير والتخفيف، بحيث يسهل الداء ويندفع الحرج، ويبقى المكلف في سعة من أمره.

ومن أمثلة: العفو عن بعض النجاسات التي يصعب التحرز عنها، فالتطهر من هذه النجاسات يُوقع المكلف في عسر وربما صعب عليه القيام بكثير من العبادات، فعفي عنها تخفيفاُ وتيسيراً

حدود المشقة التي تستدعي التيسير: فهناك نوع من المشقة ملازم للتكاليف الشرعية، لا تنفك عنه في حال من أحوالها، لأنه من طبيعة التكليف، فمثل هذا النوع من المشقة لا أثر له في إسقاط الواجبات أو تخفيفها وهناك نوع مشقة ليس من طبيعة التكليف ويمكن أن تنفك عنه الواجبات في كثير من أحوالها

5- الميسور لا يسقط بالمعسور: هذه قاعدة فقهية أيضاً استنبطها الفقهاء من هذا الحديث بما رواه البخاري: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب».

كمال الامتثال وحسن الاقتداء: إن كل ما جاء في شرع الله عز وجل من نهي تحريم أو كراهة، وأمر إيجاب أو ندب ويفهم قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أُمرتُم به فاتوا منه ما استطعتم». وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ [التغابن:16].

6- التشديد في اجتناب المنهيات واستئصال جذور الفساد: يسعى شرع الله عز وجل دائماً للحيلولة دون وقوع الشر، أو بزوغ بذور الفساد، ولذا نجد الاهتمام بأمر المنهيات ربما كان أبلغ من الاهتمام بالمأمورات ومن هنا يتبين خطأ مسلك الكثير من المسلمين، لا سيما في هذه الأزمنة، التي شاع فيها التناقض في حياة الناس، عندما تجدهم يحرصون على فعل الطاعة والواجب، فنجد الصائم يتعامل بالربا والحاجّة المزكية تخرج سافرة متبرجة وظانين أن عبادتهم هذه تنجيهم عند الله عز وجل وتكفيهم لانخراطهم في سلك المسلمين وزمرة المتقين، يوم العرض على رب العالمين وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير.

7- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: هذه قاعدة فقهية عامة، وضعها الفقهاء استنباطاً مما تقرر لديهم من تشديد الشارع في أمر المنهيات وتطبيقاتها بما ثبت من نهيه صلى الله عليه وسلم المرأة أن تسافر وحدها، دون أن يكون معها زوجها أو أحد محارمها من الرجال. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم». ومن الجدير بالذكر أن اعتبار وجود المصلحة أو ترتب المفسدة إنما يبنى على غالبية الظن لا على التحقيق، ويراعى فيه الغالب الشائع، ولا يلتفت فيه إلى النادر، فطالما أن فعلاً ما يغلب على الظن وقوع مفسدة به هو ممنوع، ولو لم نملك الدليل القاطع على ذلك، وكذلك إذا كان من شأنه حدوث المفسدة عادة، ولو تكرر حدوثه مرات دون أن تنتج عنه أية مفسدة.

8- من أسباب هلاك الأمم: لقد بين لرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، أن من أسباب هلاك الأمم وشق عصاها وتلاشي قوتها واستحقاقها عذاب الاستئصال - أحياناً- أمرين اثنين هما: كثرة السؤال والتكلف فيه، والاختلاف في الأمور وعدم التزام شرع الله عز وجل وإليك بيان ذلك: لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عامة أن يكثروا عليه من الأسئلة خشية أن يكون ذلك سبباً في إثقالهم بالتكاليف، وسداً لباب التنطع والتكلف والاشتغال بما لا يعني، والسؤال عما لا نفع فيه إن لم تكن مضرة، ودرءاً عن أن ينهج من قبلهم في المماراة والجدل روى البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. ولقد أدرك أصحابه الملازمون له من المهاجرين والأنصار هذه الغاية قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله: ﴿آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..﴾ [المائدة:101].وأما أولئك الأعراب والوافدون على المدينة، الذين لم يتوفر لهم أن يعيشوا مع الوحي كسابقيهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص لهم أن يسألوا، تألفاً وتيسيراً عليهم وتزويداً لهم بالعلم والمعرفة التي يحتاجونها في أمر دينهم والتي لا يستطيعون تحصيلها في أي ساعة أرادوا.

9- السؤال وحكمه: إن السؤال على أنواع، يختلف حكمها باختلاف الباعث عليها، والأثر الذي يمكن أن يترتب عنها:

أ- مطلوب شرعاً وهو على درجات: - فرض عين على كل مسلم: بمعنى أنه لا يجوز لمسلم تركه والسكوت عنه، وهو السؤال عما يجهله من أمور الدين وأحكام الشرع وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: 43]. – فرض كفاية: بمعنى أنه لا يجب على كل مسلم، بل يكفي أن يقوم به بعضهم وهو التوسع في الفقه بالدين وغيرها وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا فليعلم الشاهد منكم الغائب». متفق عليه.

ب- سؤال منهي عنه وهو على درجات أيضاً: حرام أي يأثم المكلف به ومن ذلك:

1ً- السؤال عما أخفاه الله تعالى عن عباده ولم يطلعهم عليه وأخبر أن علمه خاص به سبحانه كالسؤال عن قيام الساعة وغيرها.

2ً- السؤال على وجه العبث والتعنت والاستهزاء   3ُ- سؤال المعجزات    4ً- السؤال عن الأغاليط

5ً- السؤال عما لا يحتاج إليه                      6ً- السؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام

10- الاشتغال عن السؤال بالفهم والامتثال: الذي يتعين على المسلم أن يهتم به ويعتني هو: أن يبحث عما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه، فمن فعل ذلك حصل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة.

11- موقف الأئمة المجتهدين والفقهاء: فقد كان هؤلاء معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله وما يفسره من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

12- السؤال عما لم يقع: السؤال عن العلم محمود إذا كان من أجل العمل لا بقصد المراء والجدل، ولهذا كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها ولا يجيبون عن ذلك.

13- سؤال الصحابة رضي الله عنهم للعمل: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أحياناً عن حكم أمور يتوقعونها، ويغلب على ظنهم وقوعها، وهم ليسو على قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يرغبون معرفة حكم الله عز وجل فيها سابقاً ليعملوا به في حينه.

14- الطاعة والامتثال طريق السلامة والفلاح: لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسلك أولئك الأقوام، الذين وقفوا من رسلهم موقف التردد والعصيان، إذ علمها أن تقول ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ285/2لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ286/2﴾ [البقرة: 285- 286]. لقد فاز الصادقون من هذه الأمة بهذا الفضل العظيم إذ كانوا بحق كما قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ51/24وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور:51- 52].

15- التحذير من الاختلاف والحث على الوحدة والاتفاق: لقد وصف الله تعالى الجماعة المسلمة والفئة المؤمنة بأنها أمة واحدة، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92]. ولقد حذرنا الله تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من الاختلاف، الذي من شانه أن يجعل الأمة جماعات وأحزاباً، يطعن كل منهما الآخر قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105].

16- جزاء من فارق الجماعة وسبب الفرقة والاختلاف: لقد شدد الإسلام النكير على ذلك الذي يشق عصا المسلمين، ويتسبب في اختلافهم وافتراقهم، فجعل له عقوبة القتل في الدنيا والحريق في جهنم يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

17- التمسك بشرع الله تعالى طريق الوحدة: إن الله تبارك وتعالى شرع لنا في كتابه أسس كل خير تحتاج إليه البشرية في حياتها، كي تحقق الوحدة وتحكم الترابط والتماسك فيما بينها، ممتثلة بذلك قول الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾.

18- الاختلاف في الدين: إن من أهم الأسباب التي تفرق الأمة وتشتت شملها أن يفتح عليها باب الجدل في العلم والمراء في الدين، فتختلف في الأساس، فتبعد الشقة في المسالك والسبل، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:13].

19- الخطر في اتباع الهوى: والبلية كل البلية أن يكون الحامل على الاختلاف في الدين المصالح والأهواء والعناد والبغي، والخطر إنما يكمن في هذا النوع من الاختلاف، الذي لا يحتكم إلى برهان ولا ينصاع إلى حجة، وهذا الاختلاف هو الذي كان سبب هلاك الأمم وإليه يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم». وقال تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة:4].

20- أفاد الحديث: أن الحج يجب في العمر كرة واحدة على من توفرت له أسبابه وتهيأت له سبله، وملك النفقة اللازمة.

 

* أهم المصادر والمراجع:

- الوافي في شرح الأربعين النووية: د. مصطفى البغا / محي الدين مستو.

- الرياض الندية في شرح الأربعين النووية: الإمام ابن دقيق العيد / العثيمين / الإمام النووي.

- الجواهر اللؤلؤية في شرح الأربعين النووية: محمد عبدالله الجرداني.

- شرح الأربعين النووية: الإمام النووي.