التوراة
 

التوراةُ: اسمُ كتابِ اللهِ الذي أنزلَه على موسى عليه السلام.

وذهب بعضهم إلى أنَّ (التوراة) كلمةٌ عربيةٌ مشتقة.

والعجيب أنَّ الراغبَ الآصفهانيَّ يميلُ إلى هذا، قال في المفردات: «التوراة: التاءُ فيه مقلوب. وأصله من (الوَرى). بناؤها عند الكوفيين (وَوْراة)، على وزن (تَفْعِلَة).. وقال بعضهم: هي (تَفْعَلَة) نحو (تَنْفَلَة)، وليس في كلامهم (تَفْعِلَة) اسماً.

وعند البصريين: هي على وزن (وَوْرَيَه)، هي (فَوْعَلَة)، نحو: حَوْصَلَة».

أي أنَّ الراغبَ يرى أنَّ التوراة مشتقةٌ من (ورى)، والوَرْيُ قَدْحُ الزَّنْدِ ليظهرَ منه الشررُ والنور.

وأورد أصحاب (المعجم الوسيط) التوراةَ في مادة (تارَ) من المعجم، وليس في مادة (ورى). ومعنى (تارَ) في المعجم: جرى. والتَّوْرُ: الرسولُ بين القوم، والإناءُ الذي يُشربُ فيه. والتوراةُ كتاب الله.

ولما تكلَّمَ السمينُ الحلبيُّ عن الاختلافِ في التوراة، هل هي أعجميّةٌ أو عربية مشتقةٌ؛ ذَكرَ اختلافَ القائلين بالاشتقاق في معنى المادةِ المشتقة منها:

فالقائلون بأنّها مشتقة من (وَرَى) قالوا: هي مشتقةٌ من قولهم: (وَرَى الزَّنْدُ) إذا قَدَحَ فظهرَ منه نار. واشتُقَّتِ التوراةُ منه، لأنّها فيها ضياءٌ ونور، يُخْرَجُ به من الضلالِ إلى الهدى، كما يُخْرَجُ بالنورِ من الظلامِ إلى النور.

وقال الآخرون: التوراةُ مشتقةٌ من (وَرّى)، يقال: وَرَّى فلانٌ في كلامِه، والتوريةُ هي التعريض. وسُميت التوراةُ بذلك لأنَّ أكثرها تلويحاتٌ ومعاريض.

لكنَّ القولَ بأنَّ التوراةَ كلمةٌ عربيةٌ مشتقةٌ مردود، والراجحُ أنّها كلمةٌ أعجمية.

قال محمد الطاهر ابن عاشور: «التوراة: اسمٌ للكتابِ المنزَّل على موسى عليه السلام. وهو اسمٌ عبراني، أصلُه (طورا) بمعنى الهدى، والظاهرُ أنّه اسمٌ للألواحِ التي فيها الكلماتٌ العشر، التي أُنزِلتْ على موسى عليه السلام في جبل الطور.. واليهود يقولون: (سَفْر طورا)، فلما دخل هذا الاسمُ إلى العربية أُدخلوا عليه لام التعريف التي تَدخلُ على الأوصاف والنكرات، لتصيرَ أعلاماً بالغلبة».

ومن أهلِ اللغةِ والتفسيرِ من حاولوا توجيهاً لاشتقاقه عربياً، فقالوا: إنّه مشتقٌ من الوَرْي، وهو الوَقْد، بوزنِ تَفْعَلَة أو فَوْعَلَة... وربما دفعهم إلى ذلك دخولُ حرفِ التعريفِ عليه، وهو لا يدخل على الأسماء العجمية... وأجيب بأنّه لا مانعَ من دخولها على المعرَّب.

وإنما ألزموه التعريف لأنَّه مُعَرَّبٌ عن اسم بمعنى الوصف اسم علم، فلما عَرَّبوه ألزموه اللام لذلك، فقالوا: (التوراة)».

التوراةُ اسمُ علمٍ أعجمي، أُخلت عليه (أل التعريف) فلم يُمنع من الصرف، لأنَّ الاسمَ الأعجميَّ الممنوعَ من الصرفِ يُصرفُ إذا عُرِّفَ بـ(أل التعريف)، أو عُرِّفَ بالإضافة، وهذه قاعدةٌ نحويةٌ معروفة.

وقد وردت التوراةُ ثماني عشرة مرةً في القرآن: ستَّ مرات في سورة آل عمران، وسبع مرات في سورة المائدة، ومرةً واحدةً في سور: الأعراف، والتوبة، والفتح والصف.

وأنزلَ اللهُ (التوراة) على موسى عليه السلام عندما ناجاه على جبل الطور، بعدما أخرج اللهُ بني إسرائيل من مصر، وأنجاهم من عدوِّهم، فقد طلب اللهُ من موسى عليه السلام أن يأتي إلى جبل الطور، فاستخلف أخاه هارون عليه السلام على بني إسرائيل، وغاب عنهم أربعين يوماً، وهو على جبل الطور، يذكر اللهَ سبحانه.

وبعد انتهاء الأربعين يوماً كَلَّمَ اللهُ نبيَّه موسى عليه السلام، ولما سمع موسى عليه السلام كلام ربِّه تاقَتْ نفسُه إلى رؤيتِه، فأخبرَهُ اللهُ أنّه لا يمكنُ أن يراهُ في الدنيا، وحتى يُحسنَ فهمَ هذا، أحالَه على الجبل، فإن استقرَّ مكانَه فسوف يراه، ولما دُكَّ الجبلُ صَعِقَ موسى عليه السلام، ولما أفاقَ استغفر اللهَ وسبَّحَه.

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:143].

عند ذلك أنزل اللهُ عليه الألواح مكتوبٌ عليها التوراة! قال تعالى: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ144/7وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف:144-145].

لقد أمر اللهُ الملائكةَ في السماء أن يكتبوا كلام التوراةِ على ألواح، ثم أنزل هذه الألواح على موسى عليه السلام، وهو على جبل الطور.

ولما وصلَ موسى عليه السلام قومه، ووجدَهم يعبدونَ العجلَ الذهبي، غضبَ غضباً شديداً، وألقى ألواحَ التوراةِ من شدة الغضب، وصار يُعنِّفُ أخاهُ هارون عليه السلام. ولما سكتَ غضبُه أخذَ الألواحَ وبلَّغَها لقومه ليلْتزموا بها.

وطَبَّقَ موسى عليه السلام أحكام التوراة على بني إسرائيل، واهتدوا بها، وقد أثنى القرآنُ عليها في آياتٍ كثيرة، ووصفَها بأنَّها نورٌ وهدى، وضياءٌ وفرقان...

ولكنَّ أخبارَ اليهودِ حرَّفوا التوراةَ بعد وفاة موسى عليه السلام بفترة، وسجَّلتْ آياتُ القرآنِ ذلك التحريف، وأدانتهم لهذه الجريمة، من ذلك قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة:79].

وأمر اللهُ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحدَّى اليهودَ بإحضارِ التوراة إن استطاعوا. قال تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران:93].

وأخبر اللهُ اليهود أنَّ صفات الرسولِ الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم مذكورةٌ في التوراة، وأمرهم بإقامة التوراة وتطبيقها بصدق، وإقامتُها وتطبيقُها يعني الإيمانَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، والدخول في دينه.

وقد جاء القرآنُ ناسخاً للتوراة، لأنَّ أخبارَ اليهود حرَّفوها، وطمسوا نورها، وملؤوها بالأكاذيب والأباطيل والكفر والضلال، وزعموا أنّها من عند الله.

يجبُ أن نؤمن بتوراتين اثنتيْن، وليس توراة واحدة:

الأُولى: التوراة النازلةُ على موسى عليه السلام: نؤمنَ أنها كتاب الله، وأنها هدى ونور.

الثانية: التوراة التي كتبها الأخبارُ: نؤمنُ أنها ليست كلام الله، وأنها محرَّفةٌ باطلة، ومليئةٌ بالأكاذيب، ولا يجوزُ اتِّباعُها، وأنها منسوخة، بديلُها القرآنُ المحفوظ.

* * *

  • المصدر:

الأعلام الأعجمية في القرآن: د. صلاح الخالدي.