اليهود
 

اليهودُ: اسمُ جمع، علمٌ أعجمي، يُطلقُ على الأمة اليهودية المعروفة، والأصلُ أن يكون ممنوعاً من الصرف، للعلمية والعُجْمة، لكنَّه في القرآن مصروف، لدخول (أل التعريف) عليه.

وذهب بعضهم إلى أنَّ اليهودَ كلمةٌ عربية، مشتقّة من الهَوْد، وهو الرجوع.

قال السمينُ الحلبي: «اليهودُ ملَّةٌ معروفة، والياءُ فيه أصلية، لثبوتها في التصريف، وليست من مادَّةِ (هَوَد).. وسُمّوا يهوداً نسبةً ليهوذا بن يعقوب.

وقال الشلوبين: يهودُ فيها وجهان: أحَدُهما: أن تكون جمع يهوديّ، فتكونَ نكرةً موصوفة، ولذلك دخلت عليها الألف واللام، فقيل: اليهود.

والثاني: أن تكون علماً لهذه القبيلة، فتكون ممنوعةً من الصرف. قال الشاعر:

أُولئكَ أَوْلى مِنْ يَهُوْدَ بِمِدْحَةٍ                        إذَا أَنْتَ يَوْماً قُلْتَها لَمْ تُؤَنَّبِ

فمنَعَ (يَهودَ) من الصَّرْف، وجَرَّها بالفتحة».

وقال في موضعٍ آخر من الدر المصون: «سُمّوا (يَهودَ) نسبةً ليهوذا- بالذال المعجمة- ابنِ يعقوب، فغيَّرَتْه العربُ من الذالِ المعجمةِ إلى الدالِ المهملةِ، جَرْياً على عادتِها في التلاعب بالأسماء الأعجمية».

وقد أدخلَ الجواليقيُّ (اليهودَ) ضمن الأعلام الأعجمية المعرَّبة، وقال: «يَهودُ: أعجميٌّ معرَّب، وهم منسوبون إلى يهوذا بنِ يعقوب، فسُمّوا (اليهودَ)، وعُرِّبَتْ بالدّال.

وقيل: هو عربي، وسُمي (يهودياً) لتوبته في وقتٍ من الأوقات، فلزمه من أجلها هذا الاسم، وإن كان غيَّرَ التوبة ونقضها بعد ذلك».

والراجحُ أنَّ (يَهودَ) علمٌ أعجمي، أُطلقَ على تلك الأمة من الناس، نسبةً إلى أحد أجدادهم (يَهوذا)، فهو ممنوع من الصرف للعَلَمية والعُجمة، ويُصرفُ عند دخول (أل التعريف) عليه. وقد يشتقُّ منه فعلُ (التَّهَوُّد).

قال الراغبُ الأصفهاني: «الهَوْد: الرجوعُ برفْق. ومنه: التَّهويد، وهو مشيٌ كالدبيب. وصار الهَوْدُ في التعاريف التوبة. قال تعالى: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 156] أَيْ: تُبْنا.

قال بعضهم: يهودُ في الأصل من قولهم: هُدْنا إليك. وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازماً لهم، وإن لم يكنْ فيه معنى المدح.

ويُقال: هادَ فلان، إذا تحرّى طريقة اليهود في الدين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ﴾ [البقرة:62].

والاسمُ العلمُ قد يُتصوَّرُ منه معنى ما يتعاطاه المسمّى به، أي المنسوبُ إليه، ثم يُشْتَقُّ منه، نحو قولهم: تَفَرْ عَنَ فلان. إذا فَعَلَ فِعْلَ فرعونَ في الجور.

وتهوَّدَ في مشْيِه: إذا مشى مشْياً رفيقاً، تشبيهاً باليهود في حركتهم عند القراءة...».

ورجَّحَ محمد الطاهر ابن عاشور أنَّ (اليهودَ) اسمٌ عبرانيٌّ معرَّب، فقال: «أَصْلُ اسمِ يهودَ منقولٌ في العربية من العبرانية، وهو في العبرانية بذالٍ مُعْجَمة في أخرِه (يهوذا)، وهو عَلَمُ أحدِ أسباطِ بني إسرائيل. وهذا الاسمُ أُطلقَ على بني إسرائيل بعد موتِ سليمان عليه السلام».

لقد انقسمتْ مملكة إسرائيل بعد موتِه إلى مملكتيْن:

مملكةُ يهوذا في الجنوب، وعاصمتُها أُورشليم، وضمَّتْ سَبْطَ يهوذا وسَبْطَ بنيامين.

ومملكةُ إسرائيل في الشمال، وعاصمتُها السامرة [نابلس حالياً] وضمَّتْ بقيةَ الأَسباط العشرة.

وبعدَ حوالي قرنيْن من هذا الانقسام غزا الآشوريون مملكة إسرائيلَ الشمالية ودمَّروها، وأخذوا الإسرائيليين أسرى إلى بابل.

وبعد ذلك غزا بختنصر مملكةَ يهوذا في الجنوب، ودمَّرَها، وساقَ اليهودَ إلى بابل.

ومنذ ذلك التاريخ غلب اسم (يهود) على بني إسرائيل، لأنَّ المملكة الجنوبيةَ سُمّيَتْ باسْم (مملكة يهوذا)، فكلُّ أسباطِهم سُمّوا (يهودا) ولو لم يكونوا من سَبْط (يهوذا)، من باب تغليب (يهوذا) على باقي الأسباط، لأنَّ المُلْكَ كانَ فيهم، وكلُّ إسرائيليٍّ سُمي يهودياً.

ثم أُطلقَ وصفُ (يهودي) على كلِّ مَنْ دخلَ في الديانة اليهودية، ولو لم يكن إسرائيلياً، وهذا هو استقرَّ عليه الأمرُ بعد ذلك، فاليهودُ هم أَتْباعُ الديانةِ اليهوديةِ، سواء كان الواحدُ منهم من سَبْط يهوذا، أَو كان من باقي أَسباطِ بني إِسرائيل، أو لم يكن إسرائيلياً من حيثُ النَّسَب.

والخلاصةُ: أنَّ (اليهودَ) اسمُ علمٍ أعجمي، يُطلقُ على كلِّ من اعتنقَ الديانةَ اليهودية، مهما كانَ أصلُه ونَسَبُه، وإِنْ كان معظمُ اليهودِ إسرائيليّين من حيث النَّسَب.

وإذا كان الاسمُ نكرةً (يَهود) مُنِعَ من الصرفِ للعَلَمية والعُجْمة، وإذا كانَ مُعَرَّفاً بـ(أل التعريف) صُرِف.

وهو لم يَرِدْ في القرآن إلّا معرفةً مصروفاً.

وردتْ (اليهودُ) ثماني مراتٍ في القرآن، في ثلاث سورٍ مدنية: ثلاثَ مراتٍ في سورة البقرة، وأربعَ مراتٍ في سورةِ المائدة، ومرةً في سورة التوبة.

وهي في معظم هذه المرات مقرونةٌ مع النصارى، والمراتُ كلُّها واردةٌ في سياق ذمِّ اليهود وتكذيبهم، وتقديرِ كفرِهم، وفضحِ أخلاقهم، وتحذيرِ المسلمين منهم، ومنْعِ موالاتِهم لهم، وبيان عداوتِهم لهم.

اليهودُ كفارٌ لأنّهم حرَّفوا التوراة، وكذَّبوا رسلَهم، وكذَّبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولم يدخلوا في الإسلام، وكلُّ منْ لم يدخل في الإسلام فهو كافر، لأنَّ اللهَ نسخَ الأديانَ السابقةَ كلَّها كاليهودية والنصرانية بالإسلام.

واليهودُ كاذبون في زعمِهم أنهم على دين إبراهيم عليه السلام، والقرآنُ صَرَّحَ بنفي كونِ إبراهيمَ يهودياً أو نصرانياً، وتقريرِ أنّه كان حنيفاً مسلماً. قال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران:67].

وقد ابتلى اللهُ المسلمين باليهود، واخبرهم عن شدة عداوة اليهود لهم. قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ [المائدة:82].

وسيبقى الصراع مستمراً بين المسلمينَ واليهود، ولن ينتهي إلا قُبيلَ قيام الساعة، حيث سيقتلُ عيسى عليه السلام ملك اليهود المسيح الدجّال. ونعيشُ في هذا الزمان الإفساد الكبير الثاني لليهود، حيث احتلّوا فلسطين وأفسدوا العالم، لكنّهم سيقضى عليهم، وسيتمُّ تحريرُ الأرضِ المقدسة منهم، وسيكونُ هذا قريباً إنْ شاء الله.

 

  • المصدر:

-          الأعلام الأعجمية في القرآن: د. صلاح الخالدي.