أكثروا من قراءة سورة يس
 

* عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قلبُ القرآنَ يس لا يقرؤُهَا رجلٌ يريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غَفَرَ اللهُ له: اقرءُوها على موتاكم). رواه أحمد وأبو داود والنسائي واللفظ له. وابن ماجه والحاكم وصححه.

فكن أخا الإسلام: منفذاً للمراد من هذه الوصية.. (وذلك) بالإكثار من تلاوة سورة يس~ التي هي قلب القرآن.. والتي لا يقرؤها رجل- أو امرأة- يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له.. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في نص الوصية.. (ولهذا) فإنه حسبك بسبب قراءتك لها أن تفوز بمغفرة الله لك.. لأن هذا سيكون معناه.. أن الله تبارك وتعالى قد تجاوز عن سيئاتك.. وأراد لك أن تكون من أهل المغفرة المشار إليهم في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ133/3الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ134/3وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ135/3أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران:132-136].

وقال تعالى في سورة الحديد الآية21: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

(ففي) هذين النصين القرآنيين يأمرنا الله تبارك وتعالى بأن نسارع بطلب المغفرة من الله تبارك وتعالى..

(وذلك) بالإكثار من الاستغفار- الذي معناه هذا- لأن الاستغفار من أهم أسباب الأمن في الدنيا والآخرة..

(وقد) قرأت نصّاً جاء فيه: كان في الأرض أمانان من عذاب الله تعالى.. رُفِعَ أحدهما وبقي الآخر.. أما الذي رفع فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأما الذي بقي فهو الاستغفار.. ثم استدل قائل هذا النص بقول الله تبارك لحبيبه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33].

(كما) ورد في السنة الشريفة ما يرغب فيه:

(فعن) الأعزِّ المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة». رواه مسلم.

(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري.

(وعن) أبي هريرة- أيضاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم» رواه مسلم.

(وعن) ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضِيق مخرجاً، ومن كل هَمٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو داود.

(وعن) شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار، أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنتَ؛ من قالها في النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِيَ فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» رواه البخاري.

(وهناك) حديث شريف وقدسي أيضاً في نفس الوقت.. أحب أن أذكِّر به الأخ المسلم حتى لا ييأس من رحمة الله تعالى: (فعن) أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي.

يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك.

يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرةً» رواه الترمذي وقال حديث حسن.

(ولابد) أخا الإسلام أن تكون قد لاحظت ما أشار إليه رب العزة في ختام حديث وهو قوله: «لا تُشْرِكْ بي شَيْئاً» (وذلك) لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء:48].

(مع) ملاحظة أن الشرك الأكبر هو: عدم إفراد الله تعالى بالعبادة.. أي: أن المشرك هذا بعيد مع الله تعالى غيره..(مع) أنه لا معبود بحق إلا الله..

(وهذا) هو المعنى المراد من كلمة التوحيد، وهي: (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله.. (ولهذا) فإنه حسبك أن تموت على التوحيد الخالص.. بالإضافة إلى حبك الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم..

كما يشير أحدهم إلى هذا في قوله:

يا رب إن ذنوبي في الورى كُثرت                     وليس لي عمل في الحشر ينجيني

وقد أتيتُك بالتوحيد يصحبه                               حبُّ النبي وهذا القدر يكفيني

(وهناك) تحذير آخر لا بد وأن أذكِّرك به.. وهو الشرك الأصغر- وهو- الرياء- المشار إليه في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:264].

(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف الموقف أريد وجه الله وأريد أن يُرى موطني. فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ رواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.

(فليذكر) الأخ المسلم كل هذا حتى يكون إن شاء الله تعالى من المنفذين للمراد منه.. وحتى يكون أهلاً لمغفرة الله تبارك وتعالى الذي يقول: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف:58]. (وإذا) كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار في أول الوصية التي ندور حولها..

إلى أهم خصائص هذه السورة، وهي سورة يس~..

(فقد) قال ابن كثير كذلك مشيراً إلى بعض الخصائص الأخرى: ولهذا قال بعض العلماء: من أهم خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسَّره الله تعالى، وأن قراءتها عند الميت- أي عند الاحتضار- لتنزل الرحمة والبركة، وليسهل عليه خروج الروح والله تعالى أعلم.

(وهذا) هو ما أشار إليه الرسول أيضاً في ختام الوصية: «اقرءوها على موتاكم»: قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان قال: المشيخة يقولون: إذا قرئت يعني يس عند الميت خفف الله عنه بها.

(وروى) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات».

زاد في رواية: «دون يس» رواه الترمذي وقال حديث غريب.

(وعن) جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غُفر له» رواه مالك، وابن السني، وابن حبان في صحيحة.

(فعلى) الأخ المسلم أن يلاحظ كل هذا بالنسبة لنفسه حتى لا يحرم من كل هذا الخير الذي أهمه المغفرة (وأيضاً) بالنسبة لأخيه المحتضر.. وذلك بقراءة سورة يس بجواره حتى تُسهّل خروج الروح.. وهذا هو المراد الذي أرجو أن يقتنع به.. لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قرآناً عند القبور.. ولكن كل ما ثبت عنه هو الدعاء.. فالخير كله في الإتباع والشر كله في الابتداع.

والله ولي التوفيق

 

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.