في رحاب حديث: «لو كان الدين بالرأي....»
 

عَنْ عليٍّ- رضي الله عنه- أنَّه قال: «لو كان الدِّينُ بالرَّأي لكان أسفل الخفِّ أولى بالمسح منْ أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفَّيْهِ» أخرجه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ.

 

درجة الحديث:

الحديث صحيح.

فقد أخرجه أبو داود بإسناد حسن، وقال المؤلف في التلخيص: وفي الباب حديث علي إسناده صحيح.

 

مفردات الحديث:

لو: حرف شرط غير جازم، وهي حرف امتناع لامتناع، فينتفي جوابها لانتفاء شرطها، ففي حديث انتفاء مشروعية المسح على ظاهر الخف، لانتفاء كون دين الله بمجرد العقل.

الرأي: أي بمجرد العقل دون الرواية والنقل.

 

ما يؤخذ من الحديث:

1- وجوب كون مسح الخف على أعلى الخف فقط، فلا يجزي مسح غيره، ولا يشرع مسح غيره معه، سواء الأسفل أو الجوانب.

2- أن الدين مبناه على النقل عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الرأي هو المحكم فيه، فالواجب هو الاتباع لا الابتداع.

3- الذي يتبادر إلى الذهن هو أن الأوْلى بالمسح هو أسفل الخف لا أعلاه، لأن الأسفل هو الذي يباشر الأرض، وربّما أصابته النجاسة فكان أولى بالإزالة، ولكن الواجب هو تقديم النقل الصحيح على الرأي، فإن الذي شرع ذلك هو أعلم بالمصالح، وليس معنى هذا أن الشرع لا يعبأ بالعقل ولا يعتبره، فإن تشريف العقل في القرآن الكريم وتوجيه مواهبه ومخاطبته هي أكثر وأكبر مما يستشهد به قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [يس:68]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد:4]، ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال:22].

فالعقل نعمة كبرى أنعم الله بها على الإنسان، وإنما معناه أن العقل غير مستقل بالتشريع، فهو يسلّم ويتلقى شرع الله  تعالى بنفس راضية، ويحاول فهم أسرار الله فيها، فإن أدرك فذاك من نعمة الله عليه، وإلا سلك سبيل الذين قالوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:7].

4- قال بعضهم: الواجب أن الدين يوافق العقل، فالشريعة التي نزلها الله تعالى لا تقصد إلا نفس الغرض الذي خلق العقل من أجله، ولكن يجب أن يكون العقل سليماً صحيحاً لم يغلبه الهوى والشهوات، ولم يمسّه الضعف والخفة، على أنه من المعلوم أن العقل لا يكون معياراً على الشريعة، بل الشريعة هي التي تكون مقياساً لنقد العقول، فإذا كان هناك عقل يقبل أحكام الشرع، علم أنه عقل سليم بريء من العلّات، وإذا أبى قبولها علم أنه مريض وعليل.

5- وجوب الخضوع والتسليم لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو غاية العبادة، وهو كمال الانقياد والتسليم.

6- لعلّ- والله أعلم- من حكمة هذا الحكم، أن الغَسْل يتلف الخف، فاكتفي بالمسح تسيراً وتسهيلاً، وحفظاً لمالية الخف، والمسح ليس غسلاً يزيل النجاسة وينقي الخف، وما دام أن المسح لن يزيل الأذى العالق بأسفل الخف،  جعل المسح لأعلاه ليزيل ما علق به من غبار، لأن ظاهر الخف هو الذي يُرى، والأفضل أن يكون المصلي في غاية النظافة والله أعلم.

7- مسح الخف في حديث المغيرة مجمل، وهذا الحديث بيَّن صفته وكيفيته.

8- اختلف العلماء هل المسح على جميع ظاهر الخف أم لا.

9- واختلفوا هل يمسحان كالأذنين معاً، أم تقدم اليمنى؟ والراجح تقديم اليمنى، وذلك لأن الرِّجلين مستقلتان، وليستا كالأذنين تابعتين للرأس، ولأن مسحهما فرع غسلهما، والغسل فيه استحباب التيامن، ولأن حديث عائشة صريح في استحباب تيامنه في طهوره، ومسح الخفّين من الطهور، فيسنّ أن يمسح بأصابع يديه على ظهور قدميه باليمنى، واليسرى باليسرى، ويفرج بأصابعه وكيف ما مسح أجزأ. وأجمعوا على أن المسح عليه مرة واحدة، وأنه لا يسن تكراره.

* * *

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

-          سنن أبي داود.