بيان عدالة الصحابة أجمعين
 

وإن قول الراوي عن رجل من الصحابة من غير تسمية لا يضر في ذلك الخبر:

قال النووي في التقريب: «الصحابة كلهم عدول، من لابَس الفتن وغيرهم، بإجماع من يُعْتَدُّ به».

وقيل: يجب البحث عن عدالتهم مطلقاً. وقال المازري في شرح البرهان: لسنا نعني بقولنا «الصحابة عدول» كلَّ من رآه صلى الله عليه وسلم يوماً ما، أوزاره، أو اجتمع به لغرض وانصرف، وإنما يعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه. فإذا قال الراوي عن رجل من الصحابة ولم يسمه، كان ذلك حجة، ولا يضر الجهالة لثبوت عدالتهم على العموم.

·         بيان معنى الصحابي

«هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ولو ساعة، سواء رَوَى عنه أم لا. وإن كانت اللغة تقتضي أن الصاحب هو مَنْ كَثُرَتْ مُلازَمَتُه، فقد ورد ما يدل على إثبات الفضيلة لمن لم يحصل منه إلا مجرَّد اللقاء القليل، والرؤية، ولو مرة. ولا يشترط البلوغ، لوجود كثير من الصحابة الذين أدركوا عصر النبوة، ورووا ولم يبلغوا إلا بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولا الرؤية، لأن من كان أعمى مثل ابن أم مكتوم، قد وقع الاتفاق على أنه من الصحابة، ويُعْرَف كونه صحابياً بالتواتر والاستفاضة، وبكونه من المهاجرين أو من الأنصار».

·          تفاضل الصحابة

في شرح النخبة: «لا خفاء برجحان رتبة من لازمه صلى الله عليه وسلم، وقاتل معه، أو قُتِل معه تحت رايته، على من لم يلازمه، أو لم يحضر معه مَشْهَداً، وعلى من كلمه يسيراً، أو ماشاه قليلا، أو رآه على بُعْد، أو في حالة الطفولية؛ وإن كان شَرَفُ الصُّحْبَةِ حاصلاً للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه، فحديثه مرسَل من حيث الرواية، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة، لما نالوه من شرف الرؤية» انتهى.

·          بيان أقسام ما دُوِّنَ في علم الحديث

قال الإمام ولي الله الدهلوي، قُدِّسَ سِرُّهُ في «الحجة البالغة» ما نصه: «إعلم أن ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وَدُوِّنَ في كتب الحديث على قسمين:

أحدهما: ما سبيلُهُ سبيل تبليغ الرسالة، وفيه قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر:7]؛ منه علوم المَعَاد، وعجائب الملكوت، وهذا كله مستند إلى الوحي، وبعضها مستند إلى الاجتهاد، واجتهادُهُ صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوحي، لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرر رأيه على الخطأ، وليس يجب أن يكون اجتهاده استنباطاً من المنصوص، كما يُظَنُّ، بل أكثره أن يكون علَّمَهُ اللهُ تعالى مقاصد الشرع، وقانون التشريع والتيسير والأحكام؛ فَبَيَّنَ المقاصد المُتَلَقَّاةَ بالوحي بذلك القانون. ومنه حِكَمٌ مُرْسَلَة ومصالح مطلقةٌ، لم يُوقِتْها،ولم يبين حدودها، كبيان الأخلاق الصالحة وأضدادها، ومُسْتَنَدُها غالباً الاجتهادُ، بمعنى أن الله تعالى علمه قوانين الارتفاقات، فاستنبط منها حكمة وجعل فيها كلية. ومنه فضائل الأعمال، ومناقب العمال؛ وأرى أن بعضها مستند إلى الوحي، وبعضها إلى الاجتهاد، وهذا القسم هو نقصِدُ سرحه وبيان معانيه.

وثانيهما: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما أنَا بشرٌ، إذا أمرتكم بشيءٍ مِنْ دينكم، فخذوه بهِ، وإذا أمرتكمْ بشيءٍ مِنْ رأيي فإنَّمَا أنَا بشرٌ»؛ وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل: «فإنِّي إنَّما ظننتَ ظنّاً، ولَا تُؤاخِذُوني بالظَّنِّ، ولكنْ إذا حدَّثتُكُمْ عنِ اللهِ شيئاً، فَخُذُوا بهِ فإنِّي لَمْ أَكْذِبْ على اللهِ»؛ فمنه الطب، ومنه باب قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكمْ بالأدْهَمِ الأَقْرَح» ومستندَه التجربة، ومنه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة، دون العبادة، وبحسب الاتفاق، دون القصد؛ ومنه ما ذكره كما كان يذكر قومه، كحديث أم زرع، وحديث خرافة، وهو قول زيد بن ثابت، حيث دخل عليه نفر، فقالوا: حدثنا أحاديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي، بعث إليَّ فكتبته له، فكنا إذا ذكرنا الدنيا، ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، وكل هذا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ، وليس من الأمور اللازمة لجميع الأمة، وذلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش، وتعيين الشِعار، وهو قول عمر رضي الله عنه: «ما لناوللرَّمَل، كنا نتراءى قوماً قد أهلكهم الله!» ثم خشي أن يكون له سبب آخر، وقد حمل كثير من الأحكام عليه كقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قتيلاً فلهُ سلبهُ» ومنه حكم وقضاء خاص، وإنما كان يتبع فيه البينات والأيْمان، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:«الشَّاهِدُ يَرَى ما لا يراهُ الغائب» انتهى.

 

·         المصدر: قواعد التحديث من علم الحديث: الشيخ جمال الدين القاسمي.