خطورة التعامل مع الكهنة والعرافين (2)
 

الوقفة السادسة: قوله في حديث عمران بن حصين: (ليس منا من تطير، أو تُطير له)، أي: ليس يفعل ذلك من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا، المقتفين لشرعنا.

و(من تطيَّر) أي: فعل الطيرة، (أو تُطُيِّر له) أي: أمر من يتطير له.

والطيرة هي في الأصل: التطير بالسوائح والبوارح من الطير والظباء وغيرها، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فإذا أرادوا أمراً، فإن رأوا الطير – مثلاً – طار يمنة تيمنوا به، وإن طار يسرة تشاءموا به، فنفاه الشرع، وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع، أو دفع ضر.

إن التشاؤم بنوع من الطيور، أو الحيوانات، أو غيرهما، إنما هو باب من أبواب الشرك بالله - عز وجل-، المنافي للتوحيد، أو كماله، ولهذا ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في كتاب التوحيد، وأورد عددًا من النصوص الدالة على التحذير منه، والبعد عنه.

    السابعة: ورد التحذير من الطيرة والتطير في نصوص كثيرة، منها:

ما رواه الشيخان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر)، وزاد مسلم في رواية: (ولا نوء، ولا غول).

وجاء في رواية أخرى: (وفرَّ من المجذوم فرارك من الأسد).

وروى الشيخان أيضاً عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة).

وروى أبو داود والترمذي – وصححه – عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلاّ، ولكن الله يذهبه بالتوكل).

وغير ذلك من النصوص في هذا الباب الذي وقع في شراكه بعض المسلمين.

ولتوضيح ما تحويه هذه النصوص أذكر عدة نقاط:

الأولى: قوله: (لا عدوى) قال ابن الأثير - رحمه الله-: (العدوى اسم من الإعداء كالدعوى، ويقال: أعداه الداء يعديه إعداء، وهو: أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا يتقي مخالطته بإبل أخرى؛ حذار أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه) انتهى كلامه - رحمه الله-.

الثانية: قوله: (ولا هامة) بتخفيف الميم، قال الفراء: الهامة: طائر من طير الليل، وقال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعت إليّ نفسي، أو أحداً من أهل داري.

وقال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمّون ذلك الطائر: الصدى.

قال ابن رجب - رحمه الله-: (وهذا شبيه باعتقاد أهل التناسخ أن أرواح الموتى تنتقل إلى أجساد حيوانات، من غير بعث، ولا نشور، وكل هذه اعتقادات باطلة جاء الإسلام بإبطالها، وتكذيبها، ولكن الذي جاءت به الشريعة أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة، وتشرب من أنهارها، إلى أن يردّه الله إلى أجسادها) انتهى كلامه - رحمه الله- .

الثالثة: قوله: (ولا صفر)، بفتح الفاء، والمراد به عند كثير من أهل العلم: شهر صفر، فقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون بصَفَر، ويقولون إنه شهر مشؤوم، ومن تشاؤمهم أنهم لا يسافرون فيه، فأبطل النبي ذلك.

الرابعة: تعددت أقوال أهل العلم في الجمع بين قوله: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ، ولا صفر)، وبين قوله: (وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد)، حيث نفى وجود العدوى في قوله: (لا عدوى)، وأمر بالابتعاد عن موطن البلاء في قوله: (وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد).

وأحسن ما قيل في ذلك ما ذهب إليه عدد من أهل العلم، منهم البيهقي، وابن الصلاح، وابن القيم، وابن رجب، وابن مفلح، وغيرهم - رحمهم الله تعالى-، وذلك أن قوله: (لا عدوى) على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمراض تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سببًا لحدوث ذلك، ولهذا قال: (فرّ من المجذوم فرارك من الأسد)، وقال: (لا يورد ممرض على مصح)، وقال في الطاعون: (من سمع به في أرض فلا يقدم عليه)، وكل ذلك بتقدير الله تعالى، ولكن على الإنسان أن يتجنب الأسباب التي خلقها الله تعالى، وجعلها أسبابا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في النار، فكذلك اجتناب مقاربة المريض بمرض من صفته الانتقال، فإذا هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره، ولا مقدر غيره.

    الثامنة: إن لمتابعة الكهان والعرافين أضراراً كثيرة، كما أن للتعلق بالتطير والتشاؤم مفاسد عظيمة، ومن أهم تلك الأضرار خلل الإيمان بالله تعالى، وضعف التوكل عليه، والقدح في كمال التوحيد، وهذا لا شك أن عاقبته وخيمة، ونتيجته رديئة، فكيف يلقى العبد ربه - جل وعلا- يوم القيامة بإيمان ضعيف مهزوز.

ومن الأضرار أيضاً: جلب الوساوس، والشكوك، وضعف العقل، والتفكير، والتعلق بالمشعوذين والدجالين، وبالتالي تضعف ثقة الفرد بنفسه، وتغلب عليه وساوسه،      وهواجسه، فيكون أسير المشعوذين، والكهنة، والدجلة، أضف إلى ذلك الأضرار الاجتماعية بما يؤديه هؤلاء الكهنة من تفريق بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، وبالتالي تتفكك الأسر، وتتخلل الروابط الأخوية، ويحلل التقاطع، والتدابر، والشحناء، بدل الصلة، والمودة، والمحبة، ثم ما يتبع ذلك من أضرار مادية، وحدّث عن هذا ولا حرج.

المصدر: موقه شبكة السنة وعلومها.