الابتداء في قراءة القرآن (1)
 
 

* تعريف الابتداء لغة واصطلاحاً:

- الابتداء لغةً: الشروع.

- الابتداء اصطلاحاً: الشروع في القراءة بعد قطع أو وقف.

فإن كان بعد قطع وكان من أول السورة ، لزم قبله الاستعاذة والبسملة.

وإن كان بعد وقف فلا يلزم استعاذة ولا بسملة ، إلا إذا استمر إلى أن شرع في أول غير سورة التوبة فيلزم البسملة.

* أقسام الابتداء:

- الابتداء نوعان:

(1) الابتداء بعد وقف.

(2) الابتداء بعد قطع.

أما الابتداء بعد الوقف فهو قسمان:

1)- الابتداء الجائز:

وهو الابتداء بكلام مستقل موفٍ بالمقصود غير مخلٍّ بالمعنى ولا يكون إلا اختيارياً.

و الابتداء الجائز يتبع في تقسيمه الوقف الجائز فهو ثلاثة أقسام:

أ)- الابتداء التام: وهو ما كان بعد وقف تام أو بيان تام ، أو بيان كافي كالابتداء بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:6].

بعد الوقف التام وهو على (الْمُفْلِحُونَ) في قوله تعالى: (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:5].

وأيضاً كالابتداء بقوله تعالى: (إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) بعد وقف البيان التام على قوله تعالى: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ) [يس:76]

وأيضاً كالابتداء بقوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) بعد وقف البيان الكافي على قوله تعالى: (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة:8].

كما يكون الابتداء أيضاً بعد الوقف المتعين: وهو الابتداء بكلمة (الذين) بعد نهاية الآية التي قبلها.

فإن كل ما ذُكر في القرآن من الذي يجوز الابتداء به ويجوز وصله بما قبله ، إلا سبعة مواضع يتعين الابتداء بها وهي:

1-       (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ) [البقرة:121] بعد قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120] فالذين مبتدأ خبره يتلونه حق تلاوته ، وليس لهذا تعلق بما قبله لا لفظاً ولا معناً ، فلزم الابتداء به إذ الأصل الابتداء بالمبتدأ.

2-       (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ) [البقرة:146] وهذا بعد قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) فلو وصلنا لكان (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) صفة للظالمين وهذا غير مقصود لذلك تعين الابتداء بـ ().

3-       (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة:275] بعد قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274] وليس للآية الثانية تعلق لفظي ولا معنوي بالآية الأولى

4-       (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ) [الأنعام:20] بعد قوله تعالى: (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:19].

5-       (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) [التوبة:20] بعد قوله تعالى: (وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:19] فلو لم نبتدئ بآية (الَّذِينَ آمَنُواْ) لأوهم معنى غير مراد شرعاً إذ لا يمكن أن يوصف الظالمون بالمؤمنين والمجاهدين والمهاجرين في سبيل الله تعالى فتعين الابتداء بها.

6-       (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ) [الفرقان:24] بعد قوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) [الفرقان:23] فلو لم نبتدئ بآية (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ) لأوهم ذلك أن يكون لها تعلق لفظي ومعنوي بالتي قبلها وهذا غير موجود حيث انقضى المبنى والمعنى بانتهاء الآية الأولى فتعيّن الابتداء.

7-       (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [غافر:6] بعد قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر:5] فلو لم نبتدئ بآية (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ)لأوهم معنى غير مراد شرعاً إذ لا يمكن أن يكون الملائكة المكرمون هم الكفار المبعدين فتعيّن الابتداء.

ب)- الابتداء الكافي: وهو الذي يكون بعد وقف كافٍ كالابتداء بقوله تعالى: (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) [البقرة:7] بعد الوقف الكافي على قوله: (لاَ يُؤْمِنُونَ) من قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).

ج)- الابتداء الحسن: وهو الذي يكون بعد وقف حسن ، كالابتداء بقوله تعالى: (مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ) [آل عمران:3] بعد الوقف على قوله: (وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ).

وقد يكون الوقف حسناً والابتداء بعده قبيحاً كالابتداء بقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآء) بعد قوله تعالى: (لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ) فالوقف على قالوا حسن لكن الابتداء بعدها قبيح.

*أهم المصادر والمراجع:

- بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن: الشيخ محمد شحادة الغول.

- كيف تقرأ القرآن الكريم: الشيخ محمد أبو الفرج صادق.

- البرهان في علوم القرآن: الإمام الزركشي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم