الوفاء بالعقود مبدأ إسلامي
 
 

قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه القيم الإعجاز والإيجاز: ((من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الإعجاز ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام)).(أ.هـ).

وقد حوى القرآن الكريم آيات كافيات وصلت إلى 6236 آية، الآية الواحدة تُصلح أمة، فهي دستور حياة.

ولو اتبعت الأمة الإسلامية أمر ربها وطبقت آية واحدة لغدت خير أمة أخرجت للناس، ومن هذه الآيات الكافيات قول الله سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة آية (1).

معنى العقود:

العقود: هي العهود (حسنين مخلوف ـ كلمات القرآن الكريم ).
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن: العقد : الجمع بين أطراف الشيء،ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة كعقد الحبل وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعناني نحو: عقد البيع، والعهد وغيرها.

والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) المائدة (1) (أ .هـ ) .

السّعدي والوفاء بالعقود:

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:

" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود: أي بإكمالها، واتمامها، وعدم نقصهِا ونقِصها .

وقال : (وهذا شامل للعقود، التي بني العبد وربه من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانقاص من حقوقها شيئاً، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم ووصلهم، وعدم قطيعتهم ,التي بينه وبين أصحابه (المتقين) من القيام بحقوق الصحبة في الغني والفقر، واليسروالعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات كالبيع والإجارة، ونحوها. وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله سبحانه وتعالى بينهم بقوله (إنما المؤمنون إخوة ) بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخله في العقود التي أمر الله بالقيام بها ) (أ. هـ ).

قطب والوفاء بالعقود:

قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) في ظلال القرآن : (لابد من ضوابط للحياة .. حياة المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة الناس من الأقربين والأبعدين، من الأصل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء و الأحياء مما سخر الله للإنسان ...

والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم ... حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به هي أساس كل حياة ) أ .  هـ .

ونحن نقول بالله التوفيق:

     إذا وفَّينا بعقودنا،وأنضبط كل مسلم على أوامر ربه في هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) لاستقامت حياة المسلمين، فإذا وفى كل مسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذوريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )[سورة الأعراف : 172]،ووفاء المسلم بهذا العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله، وعدم الكفر به أو العمل والعبادة لغيره، ويجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف.

       ولو وفى المسلم بشهادته(أن محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ما عصى مسلم أوامر رسول الله وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما أبتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذه الأسوة في جميع أقواله وأفعاله ونواياه، مع الرضا والتسلم التام .

      وإذا وفى الزوج المسلم، ووفت الزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجاَ، وما قصر في مسؤلياته ولعمت السعادة بيوت المسلمين، وتقلصت الخلافات والمخالفات الإجتماعية والشريعية والأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة.

     لو وفى المسلمون بعقد الله معهم، بعد الإفساد في الأرض إمتثالاث لقول ربهم سبحانه وتعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [سورة الأعراف : 85]،ما تلوثت مياههم ولا أرضهم ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرجلهم وأيديهم ولحظتها ستختفي الفتن والحروب بين المسلمين وبعضهم البعض، وسيختفي الإفساد والتخريب والقتل والسرقة والشذوذ في كل تصرفاتهم .

لو وفى العامل المسلم بعقد العمل لأحسن العمل وأتقنه وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الإنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الباطلة لدى العاملين المسلمين.

      لو طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علمياً وتقنياً، وما تحولت الشهادات إلى رخص ورقية للوظيفة وما تحولت البحوث إلى وسائل للترقية الوظيفية في مؤسساتنا العلمية، ولم يوسد الأمر للجهلاء.

لو طبقت هذه الآية في الإعلام الإسلامي لانتشرت وسائل الفضيلة، واختفت مسالك الرذيلة، وما انفقت أموال المسلمين في اللهو والمجون والفضائيات المفسدة.

     لو طبق المعلم المسلم هذه الآية لم يتكاسل، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعلمه الحديثة، وأصلح التعليم وصلحت مخرجاته، وهدأت نفوس الطلاب وأولياء الأمور والتربويين والمصلحين وانصلح حال الأمة .

لو وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لامتلأت مدارسنا بالدارسين الجادين والنوابغ المبدعين المحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحريصين على العلم النافع وتحصيله، والموقرين لأساتذتهم ومدرائهم وأولياء أمورهم، وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية التعلمية.

        لو طبق الحاكم المسلم هذه الآية، لحكم بالعدل وأمن الشر، ونام قرير العين في ظل أي شجرة في بلده.

        لو طبق المحكوم المسلم هذه الآية السابقة لاسغنينا عن الشرطي والمحتسب، ورجال الصحة الغذائية، وما خرب مسلم أي شيء في بلده، ولقام بواجباته الوطنية وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المحكوم إلى حارس أمين للحاكم والوطن.

لو طبق المسلمون هذه الآية ما تنازعوا وما اختلفوا امتثال أمر ربهم حيث قال لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )[سورة الأنفال : 46].

لو طبق المسلمون هذه الآية لاختفت العمالة واللجوء إلى أعداء الأمة، ولقاتلنا المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، وساعتها تختفي المؤامرات الخارجية، والمشاكل الحدودية، والنزعات القبلية والسلوكيات الجاهلية من حياة المسلمين .

وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة آية واحدة من كتاب الله تصلح بالنا وتحول ديارنا إلى أمن وأمان وتورثنا رضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم والممتثلين لأمر ربهم عندما قال لهم :(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )[سورة المائدة : 1].

فهل من مدكر .

  • المرجع:

مقال كتبه: الدكتور نظمي خليل أبو العطا / موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. style='font-size:10.0pt;font-family:Tahoma;color:blue'>- قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه القيم الإعجاز والإيجاز: ((من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الإعجاز ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام)).(أ.هـ).

وقد حوى القرآن الكريم آيات كافيات وصلت إلى 6236 آية، الآية الواحدة تُصلح أمة، فهي دستور حياة.

ولو اتبعت الأمة الإسلامية أمر ربها وطبقت آية واحدة لغدت خير أمة أخرجت للناس، ومن هذه الآيات الكافيات قول الله سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة آية (1).

معنى العقود:

العقود: هي العهود (حسنين مخلوف ـ كلمات القرآن الكريم ).
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن: العقد : الجمع بين أطراف الشيء،ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة كعقد الحبل وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعناني نحو: عقد البيع، والعهد وغيرها.

والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) المائدة (1) (أ .هـ ) .

السّعدي والوفاء بالعقود:

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:

" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود: أي بإكمالها، واتمامها، وعدم نقصهِا ونقِصها .

وقال : (وهذا شامل للعقود، التي بني العبد وربه من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانقاص من حقوقها شيئاً، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم ووصلهم، وعدم قطيعتهم ,التي بينه وبين أصحابه (المتقين) من القيام بحقوق الصحبة في الغني والفقر، واليسروالعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات كالبيع والإجارة، ونحوها. وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله سبحانه وتعالى بينهم بقوله (إنما المؤمنون إخوة ) بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخله في العقود التي أمر الله بالقيام بها ) (أ. هـ ).

قطب والوفاء بالعقود:

قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) في ظلال القرآن : (لابد من ضوابط للحياة .. حياة المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة الناس من الأقربين والأبعدين، من الأصل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء و الأحياء مما سخر الله للإنسان ...

والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم ... حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به هي أساس كل حياة ) أ .  هـ .

ونحن نقول بالله التوفيق:

     إذا وفَّينا بعقودنا،وأنضبط كل مسلم على أوامر ربه في هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) لاستقامت حياة المسلمين، فإذا وفى كل مسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذوريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )[سورة الأعراف : 172]،ووفاء المسلم بهذا العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله، وعدم الكفر به أو العمل والعبادة لغيره، ويجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف.

       ولو وفى المسلم بشهادته(أن محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ما عصى مسلم أوامر رسول الله وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما أبتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذه الأسوة في جميع أقواله وأفعاله ونواياه، مع الرضا والتسلم التام .

      وإذا وفى الزوج المسلم، ووفت الزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجاَ، وما قصر في مسؤلياته ولعمت السعادة بيوت المسلمين، وتقلصت الخلافات والمخالفات الإجتماعية والشريعية والأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة.

     لو وفى المسلمون بعقد الله معهم، بعد الإفساد في الأرض إمتثالاث لقول ربهم سبحانه وتعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [سورة الأعراف : 85]،ما تلوثت مياههم ولا أرضهم ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرجلهم وأيديهم ولحظتها ستختفي الفتن والحروب بين المسلمين وبعضهم البعض، وسيختفي الإفساد والتخريب والقتل والسرقة والشذوذ في كل تصرفاتهم .

لو وفى العامل المسلم بعقد العمل لأحسن العمل وأتقنه وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الإنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الباطلة لدى العاملين المسلمين.

      لو طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علمياً وتقنياً، وما تحولت الشهادات إلى رخص ورقية للوظيفة وما تحولت البحوث إلى وسائل للترقية الوظيفية في مؤسساتنا العلمية، ولم يوسد الأمر للجهلاء.

لو طبقت هذه الآية في الإعلام الإسلامي لانتشرت وسائل الفضيلة، واختفت مسالك الرذيلة، وما انفقت أموال المسلمين في اللهو والمجون والفضائيات المفسدة.

     لو طبق المعلم المسلم هذه الآية لم يتكاسل، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعلمه الحديثة، وأصلح التعليم وصلحت مخرجاته، وهدأت نفوس الطلاب وأولياء الأمور والتربويين والمصلحين وانصلح حال الأمة .

لو وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لامتلأت مدارسنا بالدارسين الجادين والنوابغ المبدعين المحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحريصين على العلم النافع وتحصيله، والموقرين لأساتذتهم ومدرائهم وأولياء أمورهم، وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية التعلمية.

        لو طبق الحاكم المسلم هذه الآية، لحكم بالعدل وأمن الشر، ونام قرير العين في ظل أي شجرة في بلده.

        لو طبق المحكوم المسلم هذه الآية السابقة لاسغنينا عن الشرطي والمحتسب، ورجال الصحة الغذائية، وما خرب مسلم أي شيء في بلده، ولقام بواجباته الوطنية وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المحكوم إلى حارس أمين للحاكم والوطن.

لو طبق المسلمون هذه الآية ما تنازعوا وما اختلفوا امتثال أمر ربهم حيث قال لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )[سورة الأنفال : 46].

لو طبق المسلمون هذه الآية لاختفت العمالة واللجوء إلى أعداء الأمة، ولقاتلنا المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، وساعتها تختفي المؤامرات الخارجية، والمشاكل الحدودية، والنزعات القبلية والسلوكيات الجاهلية من حياة المسلمين .

وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة آية واحدة من كتاب الله تصلح بالنا وتحول ديارنا إلى أمن وأمان وتورثنا رضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم والممتثلين لأمر ربهم عندما قال لهم :(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )[سورة المائدة : 1].

فهل من مدكر .

  • المرجع:

مقال كتبه: الدكتور نظمي خليل أبو العطا / موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم