وجوبُ مراجعة القرآن واستذكارِه والتحذيرُ من تركه ونسيانه
 
 

لقد جعل الله عز وجلَّ من طبيعة البشر النسيان، ومنه ما يكون من تقصير الإنسان في المراجعة والاستذكار، ونه ما يكون بسبب كثرة الأعمال والشواغل: قال تعالى: ﴿...وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا99/20مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ طه: 99- 100].

وقال أيضاً: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى124/20قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا125/20قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: 124- 126].

ظاهر هذه الآيات يُحْمَلُ على التلاوة وقراءة القرآن...   .

قال ابن كثير: وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾؛ فإن الإعراض عن تلاوة القرآن الكريم، وتعريضه للنسيان، وعدم الاهتمام به، فيه تهاوُنٌ كبيرٌ وتفريطٌ شديدٌ، نعوذُ بالله منه.

ورُويَ عن الضحاك بن مُزَاحِمٍ أنه قال: ما مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إلا بذَنْبٍ يُحْدِثُهُ؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30].

وإن نِسْيَانَ القُرْآن من أعْظَمِ المصَائبَ.

وقال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]. ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أفضل طرق مراجَعَة القرآن التي ينبغي للإنسان أن يحافِظَ عليها، ألا وهي قراءة القرآن في صلاة التهجُّد، فإن النفس تكون صافيةً، والقلْبُ في تفرُّغٍ عن الشواغل.

وقد وردتْ عِدَّةُ أحاديثَ تحثُّ على تعاهُد القرآن الكريم، وتُحَذَِرُ من نسيانه، أقتصِرُ على بعضها:

أ- عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَعَاهَدوا هذا القرآنَ؛ فَوَالَّذِي نفْسي بيدِه لَهُوَ أشَدُّ تفلُّتاً من الإبِلِ في عُقُلها».

ب- وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مَثَلُ صاحبِ القرآنِ كمَثَلِ الإبِلِ المعقَّلَةِ إن عَاهَدَ عليها أمْسَكَها، وإن أطْلَقَها ذَهَبَتْ».

ج- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ علَيَّ أجورُ أمَّتي حتَّى القَذَاة يُخْرِجُها الرَّجُلُ من المسجد، وعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أمتَّي فلم أرَ ذنباً أعْظَمَ من سورة من القرىن أو آية أوتيها رجلٌ ثم نسِيَها».

د- وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من قَرَأَ القرآنَ ثمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو أجْذَمُ».

ولقد حرصَ الصحابة رضي الله عنه على كثرة قراءة القرآن الكريم في ليلهم ونهارهم، وجعلوا لأنفسهم وِرْداً يومياً لا ينامُون قبل أن يُكمِلُوا وِرْدَهم من القرآن، وبالرغم من أنهم كانوا مشغولين بالجهاد والفتوح وتعليم الذين يدخلون في الدين أحكامَ الإسلام، فلم يُغْفِلُوا مراجعَته، فقد جعلوا القرآن دَيْدَنَهم ومنهجَهم الذي منه ينْهَلونَ، وعلى سَنَنِه يَهْتَدونَ.

وكان لهم دَوِيٌّ بقراءة القرآن الكريم كدَوِيّ النحل.

وأوَجِّه الكلامَ إلى الإخوة الّذين حَفِظوا القرآن في حلقات التحفيظ في المساجد ثم تركوه ونسُوه... وإلى الإخوة الذين درسوا في مدارس تحفيظ القرآن فحفظوا القرآن، أو حفظوا في الصِّغَرِ، ثم تَمَادَى بهم الزمنُ ومشاغلُ الدنيا حتى ألْهَتْهُم عن مراجعته وتثبيته... وغابوا في زحمة أعمال الدنيا عن هذا الكنز الثمين الذي إذ ذهب فلن يُعَوِّضَ...

وإلى الإخوة الذين حفظوا بعض السور من القرآن الكريم، ثم أصبحتْ في سِجِلِّ النسيان.

 

  • المصدر:

-          كيف تحفظ القرآن الكريم: د. يحيى الغوثاني.

-          دروس في ترتيل القرآن الكريم: الشيخ عبدالقادر شيخ الزور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم