ما من كل الماء يكون الولد
 

قال صلى الله عليه وسلم :
"ما من كل الماء يكون الولد ، إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء " أخرجه مسلم .

إن هذا الحديث إعجاز كامل فلم يكن أحد يعلم أن جزأ يسير من المني هو الذي يخلق منه الولد ... فلم يكن أحد يتصور أن في القذف الواحد من المني ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي وأن حيواناً منوياً فقط هو الذي يقوم بتلقيح البويضة .

و يقول الدكتور ليزلي أرى في كتابه Developmenetal Anatomy( الطبعة السابعة ) أن التجارب على الثدييات أثبتت أن واحداً بالمائة من المني فقط يكفي لتلقيح البويضة . و من المقرر طبياً أن عشرون مليون من الحيونات المنوية في القذفة الواحدة هي الحد الأدنى للإخصاب .. و رغم أنه يقرر طبياً أيضاً أن هناك حالات حمل كثيرة بأقل من هذه الكمية .. كما يمكن أن تحقن كمية المني الناقصة الحيوانات إلى الرحم مباشرة Artificia Insemination  و هي الطريقة المسمات " بالتلقيح الصناعي " .. و هذه الطريقة تستخدم أحياناً لمن يشكون العقم و يكون السبب في ذلك قلة الحيوانات المنوية في مني الزوج.

فالحديث صريح في أنه ليس من كل الماء يكون الولد .. و إنما من جزء يسير منه .. و أنى لمن عاش قبل أربعة عشر قرناً أن يعلم هذه الحقيقة التي لم تعرف إلا في القرن العشرين إذا لم يكن علمه قد جاء من لدن العليم الخبير و قد دلت علي معنى هذا الحديث آية قرآنية كريمة . قال تعالى ( الذي أحسن كل شيء خلقه و بدأ خلق الإنسان من طين . ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) قال المفسرون السلالة هي الخلاصة .. وخلاصة الماء المهين هي التي يكون منها الولد .. فأول ما تخرج يكون عشرين بالمائة منها غير صالح للتلقيح ثم يموت في المهبل عدد كبير منها .. ثم يموت على عنق الرحم عدد آخر .. ثم تذهب مجموعة منها كبير منها ... ثم يموت على عنق الرحم عدد آخر .. ثم تذهب مجموعة منها تكون البويضة .. فتهلك تلك التي ذهبت إلى غير مكان البويضة ... و لا يصل في النهاية إلى البويضة إلا ما يقرب من خمسمائة حيوان منوي فقط و هنا يقع اختبار و انتقاء و اصطفاء آخر لحيوان منوي واحد فقط من بين هؤلاء ليتم به تلقيح البويضة .

و في البويضة كذلك اصطفاء و انتقاء .. إذ يبلغ عدد البويضات في مبيض الأنثى و هي لا تزال جنيناً في بطن أمها ستة ملايين بويضة أولية .. و لكن كثيراً منها يذوي و يموت قبل خروجها إلىالدنيا .. ثم تستمر في اندثارها حتى إذا بلغت الفتاة المحيض لم يبق منها إلا ثلاثين ألف فقط .

و في كل شهر تنمو مجموعة من هذه البويضات ...و لكن لا يكتمل النمو إلا لواحد فقط .. و في حياة المرأة التناسلية لا يزيد ما تغرزه المرأة عن أربعمائة بويضة فقط .. فهناك اصطفاء و انتقاء للحيوان المنوي .

و هناك اصطفاء و انتقاء للبويضة أيضاً .

ليس هذا فحسب بل أن هناك اصطفاء و انتقاء للحمل أيضاً .

نعم تقول الأبحاث الطبية الحديثة  ( مجلة Medicine Digest ) عددد يناير 1981 أن 78 بالمائة من جميع حالات الحمل تسقط طبيعياً ...و أن ما يقرب من خمسين بالمائة يسقط قبل أن تعلم أنها حامل .. ذلك لأن الرحم يلفظ الكرة الجرثومية بعد علوقها مباشرة .. فتظن الأم أن الدم الذي جاءها في موعد الحيضة أو بعده بقليل هو دم الطمث الذي كانت تنتظره و لا تعلم أنه دم سقط.

فهناك اصطفاء بعد اصطفاء . وانتقاء بعد انتقاء و صدق الله العظيم حيث يقول : ( ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) .

و صدق رسوله الكريم حيث يقول " ما من كل الماء يكون الولد " .

و الشق الثاني : من الحديث و هو : إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه ( شيء ) .

إعجاز كامل لا يتصوره إلا من درس وسائل منع الحمل و نسبة النجاح فيها .. فمن وسائل منع الحمل وسائل قديمة معروفة مثل العزل و منها وسائل حديثة مثل حبوب منع الحمل . و اللولب الذي يدخل إلى الرحم ، و الموانع الميكانيكية لدى المرأة و الرجل . . و المراهم و اللبوس المهبلي ( التحاميل ) وأخيراً عملية التعقيم بقطع قناتي الرحم و ربطهما حتى لا تتمكن الحيوانات المنوية من الوصول إلى البويضة .

و في المتفق عليه في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن لي جارية خادمتنا و ساقيتنا في النخل  و أنا أطوف عليها و أكره أن تحمل . فقال صلى الله عليه وسلم : اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها . . فلبث الرجل ما شاء الله ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت فقال صلى الله عليه وسلم : قد قلت سيأتيها ما قدر لها " رواه الشيخان البخاري ومسلم .

يقول كتاب " تنظيم الحمل " Humamnferliliy control " عن العزل أنها وسيلة شائعة منذ أقدم العصور ذكر لها هو في كتاب الخلق من التوراة ( المحرفة ) عندما زنى أونان بزوجة أخيه و عزل حتى لا يسقي أرض أخيه .... و يقول المؤلفان : " إن نسبة الفشل بهذه الطريقة تبلغ 22 بالمائة " [1].

و نحن نعلم الآن أن لكل وسيلة من وسائل منع الحمل نسبة تفشل فيها ...

فرغم هذه الموانع يحصل الحمل إذا قدر الله ذلك .. بل لقد جائتني إحدى المريضات .. و أخبرتني أنها أجرت عملية تعقيم بقطع قناتي الرحم و ربطهما .. في لندن ثم لم تلبث بضعة أشهر إلا وهي حامل .. و ذلك مقرر في الكتب و المجلات الطبية .. و تصل نسبة فشل هذه العلمية 55 بالمائة إذا كانت العلمية عن طريق المهبل و لكنها تهبط إلى واحد من بالمائة إذا أجريت العملية عن طريق فتح البطن و بواسطة جراح ماهر .

و سجل كثير من الباحثين نسبة فشل تصل إلى 3.7 بالمائة مع جراحين مهرة بل لقد سجلت حالة حمل بعد عملية استئصال للرحم ، و عليه فإن الحديث النبوي الشريف إعجاز كامل في تقرير هذه الحقيقة العلمية.

* المصدر :

كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن: محمد علي البار