الهدي العلمي النبوي في حماية المسلمين من الضعف
 

حديثنا اليوم عن الهدي العلمي النبوي في حماية المسلم والمسلمين من الضعف البدني، والنفسي، والعصبي، والخلقي، والاجتماعي، والحربي، والاقتصادي، والسياسي، والعلمي.

   فقد جمع الهدي العلمي النبوي جوامع القوة في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وابن ماجة في سننه، والإمام احمد في مسنده، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم.

   وفي هذا الحديث دعوة عملية إلى حماية المسلم من الضعف، والتحلي بالقوة، ويراد بالقوة في هذا الهدي العلمي النبوي، قوة البدن وحمايته من العلل والأمراض، والمهلكات، بالبعد عن الخبائث المهلكة للبدن، كالخمر، والحشيش، والأفيون، والهيروين، وأكل لحم الخنزير، والدم، والميتة، والزنا، والشذوذ الجنسي، وتدخين التبغ، أو التتن، والتمسك بما يقوي البدن من الطيبات والرياضات. وفي الحديث دعوة إلى القوة النفسية، بالبعد عن التكالب على الدنيا، وعدم التطلع إلى نعم الله على عباده، والتمسك بأشياء مهلكة، وعدم شكر الله على ما أنعم على العبد، فالقوة الجسمية دون القوة النفسية هلاك، ودمار للفرد.

   فقوة الجسم مع خواء النفس وخرابها، ومع الحسد والحقد، والعزيمة الفاترة، والهمة الدانية، والإرادة الهزيلة والغباء، وتبلد الحس، ليست من صفات المسلمين.

   فالقوة المادية وحدها لا تكفي، بل لا بد من ملازمة القوة المادية بالقوة النفسية المترتبة على قوة الإيمان بالله والعقيدة الصحيحة، فكم من أمم، وشعوب وأفراد هلكوا مع قوتهم، وذلك لضعف نفسيتهم، وخرابها، وهلاك عقيدتهم وضياعها.

   قال تعالى: "إن قارون كان من قوم موسى، فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه لا تفرح، إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي، أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة، واكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. فخرج على قومه في زينته، قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون، انه لذو حظ عظيم، قال الذين أوتوا العلم ، ويلكم ثواب الله خير لمن آمن، وعمل صالحا، ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به، وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ، ويكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين" ( القصص 76-83 ).

   فهنا قارون أوتي المال، وقوة العلم الدنيوي، وقوة السلطان، والقوة الاجتماعية، ولكنه أوتي فسادا في العقيدة، وخرابا في النفس، وظن أن ما هو فيه سببه قوته الذاتية العلمية الدنيوية، وانقسم الناس في نظرتهم إليه إلى فريقين، فريق رأى القوة المادية هي كل شئ فحسدوا قارون على قوته، وتمنوا قوة مثل قوته، وزينة مثل زينته، ومالا مثل ماله. وهذا الفريق هو الفريق الدنيوي المادي.

   والفريق الثاني هو فريق العلماء والعالمين، الذين يعلمون أن القوة المادية من دون قوة العقيدة خواء وخراب ودمار وهلاك وكان المشهد العظيم: "فخسفنا به، وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان من المنتصرين" وهنا علم كل فريق صواب نظرته للقوة أو عدم صوابها.

   أخي المسلم: أن الحديث الذي نحن بصدده عن القوة يدعو المسلم والمسلمين إلى القوة الاجتماعية، ولكن بشرط أن ترتبط تلك القوة بقوة العقيدة، وصحتها، وإلا هلكنا كما هلك قارون، والعياذ بالله.

   والحديث يدعونا إلى القوة الحربية، ولكن دون إفساد في الأرض وطغيان على العباد، وتدمير للمسلمين، وعقيدتهم، وقوتهم. قال تعالى: "ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فاكثروا فيه الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد" (الفجر/6-14).

   فالقوة الإسلامية قوة رشيدة، قوة موحدة، قوة محكومة، بقانون الله، وشرعه، وهي بهذا المعنى، قوة ذات منزله رفيعة ومكانة سامية، فهي طريق القيام بواجب العبودية لله والاستخلاف في الأرض، وهي طريق التزام المسلمين بدينهم، وعمارتهم للكون، وسيادة عقيدة التوحيد، وحتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.

   وحتى نصل أخي المسلم إلى القوة الراشدة، القوة المؤمنة القوة غير الطائشة، علينا بالتجرد من كل حول وقوة إلا حول الله وقوته، وعدم شعورنا بالضعف والعجز لأن الشعور بالضعف، والعجز يجعلنا كحسدة قارون نتمنى ما يضرنا ولا ينفعنا.

   وقوة المسلمين تأتي من حرصهم على النافع والمفيد، والتمسك بالفرائض والدين، والأخذ بنواميس الله في الكون، والأخذ بالعلم النافع، والبعد عن طريق الشيطان المبعد عن عمارة الكون، والبعد عن طريق المنافقين الماديين الذين يبعدوننا عن طريق القوة الإسلامية الراشدة.

   فهل عمل المسلمون بالهدي العلمي النبوي، وأصبحوا أقوياء؟

   هل نحن أقوياء في أبداننا أم تملكت العلل في أجسادنا؟

   هل نحن أقوياء في نفوسنا؟ أن ملأ الحقد وعششت الكراهية في صدورنا؟

   هل نحن أقوياء في زراعتنا، وصناعتنا، واقتصادنا، أم نحن عالة على غير المسلمين، نأكل من مزارعهم، ونلبس من مصانعهم، ونحارب بأسلحتهم؟

   وهل نحن أقوياء في إعلامنا بحيث نعرض ديننا على العباد بوضوح وعلمية وتقنية حديثة أم أننا نقلد أعداءنا في إعلامهم ونتشنج عندما يهاجمون ديننا وعقيدتنا وتربيتنا وتعليمنا؟

   أخي المسلم: إن من الهدي العلمي النبوي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".