حقوق الجوار.. حقوق مقدّسة !!
 

عني الإسلام عناية كبيرة بالعلاقات القائمة بين الجيران، لأن المصالح والمضار أو المنافع والمفاسد مشتركة، فما يفيد أحد الجيران أو يمنع الضرر والأذى عنه يمس الآخر إيجاباً وسلباً، نفعاً وضرراً، ولأن الإنسان قد يرى جاره أكثر مما يرى أخاه أو قريبه. وحسن الجوار أمر تفرضه أوضاع المجتمع المتقدم أو المتطور، لأن الإنسان مدني بالطبع، ويخطئ الكثيرون من الجيران حينما يؤثرون العزلة عن جيرانهم ولا يتعاونون معهم في جلب الخير ودفع الضرر.

ويقتضي حسنَ الجوار اعتباراتٌ إيجابية بأن يقدَّم فيها النفع الخاص للجار، واعتبارات سلبية بأن يَمْنَعَ الجار عن جاره ألوان الأذى والضرر، بل وعليه أن يذكرَه بخير، ويحمي سمعته، ولا يتسبب في الإساءة إليه، خلافاً لما نشاهده اليوم من توتر علاقات الجوار، وتأجج الخصومات والمنازعات، وتبادل الشتائم والمسبات، وهذا محظور شرعاً ومنافٍ لتوجيهات القرآن الكريم والوصايا النبوية الشريفة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه».

وقال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾ [النساء: 4/36]. أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجيران كالإحسان إلى الوالدين بما يشمل درجات الجوار الثلاثة: الجار ذي القربى: أي الملاصق في السكن وهو أقرب الجيران، والجار الجنب: أي البعيد مسكنه في دائرة الجوار كالمباني الكبيرة ذات الطوابق وما يجاورها، والصاحب بالجنب: وهو الرفيق الذي يرافق الإنسان في حضر أو سفر.

ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الجوار حتى لكأن الجار يصبح بمثابة القريب الوارث، فيقول في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه».

والإحسان إلى الجار: إما إيجابي وإما سلبي. أما الإحسان الإيجابي: فهو كتقديم الهدية أو تبادل الهدايا، ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». وروى مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إذا طبخت مَرَقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك».

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أُهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً».

ومن مظاهر الإحسان الإيجابية أيضاً: التعاون على إنجاز حقوق الارتفاق كالاستناد على جدار الجار، أو غرز خشبة في حائطه، جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جارٌ جاره أن يغْرِز خشبة في جداره».

ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين – يعني عن هذه السُّنة- والله لأرمين بها بين أكتافكم».

ومن هذه المظاهر الإيجابية: إكرام الجار  قولاً وعملاً، حديثاً ومعاشرة، مؤانسة ومؤاكلة ومشاربة، روى مسلم عن أبي شُريح الخُزاعي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت».

وفي لفظ آخر متفق عليه بين الشيخين (البخاري ومسلم) عن أبي هريرة: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت»

ويعدُّ الإحسان إلى الجار من الصحبة الخَيِّرة الموجبة لكثرة الثواب، روى الترمذي وقال: حديث حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره».

وأما أمثلة الإحسان إلى الجار من الناحية السلبية فكثيرة منها: منع ألوان الأذى والشر والفساد والإفساد، ثبت في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» أي: غوائله وشروره وآثامه.

وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».

فهذا يدل على أن الإضرار بالجار يستوجب عذاب النار.

وغضّ البصر عن نساء الجيران والحفاظ على أعراضهم وكراماتهم، ودفع الأذى عنهم، والعمل على ما ينفعهم من أصول الأخلاق العربية الإسلامية لتمتين علاقات الجوار وتحصينها من الأضرار، بل وتنمية هذه العلاقات وتطويرها إلى الأنفع والأدوم، وهي التي تعبر عن أخلاق الإسلام والتي من أهمها حفظ غيبة الجار في أهله وعرضه وماله وبيته وأولاده، ولا سيما أثناء السفر والجهاد.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- فتح الباري شرح صحيح البخاري: الإمام ابن حجر العسقلاني.

- توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.