فضيلة الحياء
 

أصبح الحديث عن الحياء غريباً، لأن الناس أخطؤوا في فهم الحرية وتقدير معنى الشجاعة الأدبية، وأساؤوا فهم معنى احترام الآخرين وتحسين العلاقة معهم، وساد الاجتراء على القبيح أحياناً، وتحدي الآداب والأخلاق في بعض الظروف والأحوال. ولكن مع كل هذا يظل الحياء هو الأدب العالي لكل الناس على مختلف مراتبهم ومناصبهم، وللرجل الكبير والشاب والصغير وللمرأة والفتاة. ويطمئن الإنسان عادةً لمن يُلْمسُ منه خلق الحياء. و «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت».

وحقيقة الحياء كما قال العلماء: خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

وقال أبو القاسم الجنيد رحمه الله: الحياء: رؤية الآلاء أي النعم، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياء.

فإن كان الأمر حقاً أو ديناً أو شرعاً مقرراً فلا مجال للحياء حينئذ، وعلى الإنسان أن يقول الحق وينصر العدل ويحترم الدين ويرعى شرع الله الحكيم، لأن الله تعالى علَّمنا الجرأة في الحق، والصراحة في القول السَّديد، فقال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 33/53]، وقال سبحانه في معرض بيان الأشياء بياناً علمياً يستفاد منه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: 2/26].

والحياء يلازم الإيمان وينبع منه، لأن الإيمان جوهر أصيل، والجوهر لا يصدأ، ويصدر عنه كل فضيلة أو خير.

والحياء لا يأتي إلا بخير، وهذا ما علَّمناه إيَّاه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورد في حديث متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُ، فإنَّ الحياء من الإيمان» أي: إنَّ الحياء جزء من الإيمان ومن كمال الإيمان، لأن المستحي يبتعد عن فعل المعاصي ويسرع إلى فعل الطاعات.

ثم إن الحياء فطرة في الإنسان، ولكنه ينمو بالتزام آداب الشريعة وبالتخلق بالأخلاق الكريمة، ومن المعلوم أن الإسلام دين الفطرة والأدب الجم.

وورد أيضاً في حديث متفق عليه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«الحياء لا يأتي إلا بخير»، وفي رواية لمسلم: «الحياء خير كله» أو قال: «الحياء كله خير».

ولا يُسْتَغرب من كون الحياء من الإيمان، فإن للإيمان خصالاً وشُعَباً، ودرجات ومراتب، وكلما توافر الحياء كان دليلاً على توافر الإيمان، وكلما انعدم الحياء كان ذلك علامة على ضعف الإيمان وخُفُوت صوت الإيمان وكونِ الإيمان لا يوجِّه الإنسان نحو الفضائل والآداب، وكل ذلك ليس في خير أحد، فرداً أو جماعة، جاء في حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بِضْع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» أي: إن أفضل شُعَب الإيمان أي أكثرَها ثواباً وأعلاها مكانةً عند الله تعالى: هو إعلان شهادة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله، ويتبعها شهادة أن محمداً رسول الله، وأقلها ثواباً: إزالة المؤذيات عن الطريق من حجر وشوك وطين ورماد وقذر ونحو ذلك من المعوقات أو المضار.

والحديث دليل على أن الإيمان كالشجرة الباسقة ذات الفروع والأغصان الكثيرة أو المتعددة، وأن الحياء درجة من درجات الإيمان وفرع من فروعه الغضة الطرية، لما له من أثر ملموس في النفس والحياة والمجتمع.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في الأخلاق، ومنها الحياء، وما أروع هذا الوصف له الذي أخبر عنه الثقات، ورد في حديث متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه، عرفناه في وجهه» وهذا دليل على تميزه بفضيلة الحياء، وأنه ذو رسالة، نضَّر الله قلبه ووجهه بالإيمان، ويغار على حرمات الإيمان، فإذا كره شيئاً من الأخلاق بدا ذلك واضحاً في وجهه الشريف.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- صحيح مسلم بشرح الإمام النووي: الإمام النووي.

- توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.