الاستخارةُ والمشاورةُ
 

علمُ الإنسان محدودٌ، واطّلاعُه على جميع الأحداث والمعلومات والمعارف مستحيلٌ، لذا كان بحاجة دائمة إلى معرفة الأسلم عاقبة، والأرشد سبيلاً، والأصوب رأياً. وكان العرب في الجاهلية يلجؤون إلى وسائل وهمية لا جدوى فيها، كعادة زجر الطير، فإن اتَّجهت يميناً بعد إطلاقها كان العمل خيراً، وإن اتّجهت شمالاً كان العمل شرّاً، فأَبْدَلَهُمُ الإسلام وسيلة أجدى وأصح وأحكم: وهي إما: الاستخارة: وهي استلهام الصواب من الله ربِّ العالمين، وإما المشاورة للآخرين الناصحين الأمناء، فإذا قلَّب الإنسان وجهات النظر، واسترشد برأي جيد فصيح

ناصح، كان الأمر خيراً، وعاقبته رشداً على صاحبه.

والشورى: نظام ضروري في المسائل العامة والخاصة، لذا قال أبو هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه الترمذي: «ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وهذا مستمدٌّ من أمر الله لنبيِّه بالشورى مع أصحابه، مع أنه أعلمهم ومتصل بالوحي الإلهي، فقال الله تعالى له: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: 3/159]، ووصف الله تعالى أهل الإيمان بقوله: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 42/38] أي: يتشاورون بينهم فيه.

وردت الوصايا النبوية الكثيرة قولاً وعملاً بالأخذ بنظام الشورى فقال صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على أموركم بالمشاورة»، وقال: «ما تشاور قوم قط إلا هُدوا لأرشد أمورهم»، «المستشار مؤتمن»، «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار».

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في وقائع كثيرة تطييباً لنفوسهم ورفعاً لأقدارهم وإسهامهم في تحمُّل المسؤولية (أو التبعة) والمشاركة في اتخاذ القرار الحاسم حتى لا يلوم أحدهم غيره، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: «أشيروا عليَّ أيها الناس» كما فعل في استشارته قبيل معركة بدر الكبرى لمعرفة مدى استعداد أصحابه ولا سيما الأنصار للقتال، ونزل على رأي الحُبَاب بن المنذر في اختيار المكان الملائم لنزول الجيش، وهو أدنى مقام من ماء بدر، واستشار أصحابه في معرفة مدى قبول الفداء من أسرى بدر المشركين.

وقبل موقعة أُحد استشار النبي الأصحاب في شأن الخروج من المدينة، وأخذ برأي الكثرة من الشبان الذين أشاروا بالخروج. وقال صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك على السيدة عائشة رضي الله عنها: «أشيروا عليَّ معشر المسلمين في قوم.. ».

واستشار أيضاً أصحابه في ردّ سبي هوازن، وفي استطابة أنفسهم بذلك من غير تعويض عن حقوقهم. وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى علية السعدان: سعد بن عبادة سيد الخزرج، وسعد بن معاذ سيد الأوس، فترك ذلك.

وفي يوم الأحزاب هذا تمت المشاورة عملاً برأي السعدين على عدم مصالحة رؤساء غطفان لأخذ شطر ثمار المدينة.

أما الاستخارة: فهي البديل عن الكهانة والعرافة (ادِّعاء علم الغيب أو المستقبل)، أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: «إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علَّام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقْدُرْه لي ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به» قال: ويسمّي حاجته.

فإن انشرح صدر الإنسان بعد هذا الدعاء كان الأمر خيراً، وإن ضاق صدره كان الأمر شرّاً، وإن لم يظهر شيء كُررت الصلاة والدعاء ثلاث مرات حتى تبين الأمارات أو العلامات الدالة على الخير أو الشر، ولا بد من صفاء الصدر والتماس الطلب بإخلاص.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- صحيح مسلم بشرح الإمام النووي: الإمام النووي.

- توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.