تحريم التباغض والتقاطع والتحاسد
 

إن صفاء الإيمان وكمال الإسلام يقضيان صفاء القلوب، وضرورة تخلُّصها من الأمراض القلبية المعنوية، ومن أخصِّها الحقد والحسد، والتباغض، والقطيعة أو الهجران، والتدابر أو الإعراض، انتصاراً لحظوظ النفس البشرية وأهوائها وشهواتها، واستجابة لوساوس الشيطان وإضلاله.

وإن رابطة الأخوة أو التآخي العام تتطلب إشاعة روح الودّ والسماحة وتجاوز الأخطاء وترك اللوم والعتاب والترفُّع عن الهفوات والزَّلات.

وإن تواضع المؤمن مع أخيه المؤمن همزة وصل دائمة وشريفة، على عكس علاقة المؤمنين بغيرهم في الخارج يجب أن تكون متسمة بالعزة والسمو والصلابة في حسم الشَّر ودرء العدوان.

وتتميز علاقة المسلمين فيما بينهم بالتراحم والملاينة والأخذ بمبدأ اليسر والسماحة، وترك الصلَف والاستعلاء والتكبر والعجب.

ومن أجل تقرير هذه المعاني والآداب: نهى الشرع الإسلامي عن التباغض والتقاطع والتدابر، وأحلَّ في الساحة الاجتماعية روح الإخاء والتعاون والإصلاح، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 49/10]، وقال سبحانه واصفاً أهل الإيمان: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 5/54]، أي: إنهم متعاطفون متراحمون فيما بينهم، أشداء على الأعداء الكافرين كما تدل عليه آية أخرى هي: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 48/29] أي: إنهم قساة أصلاب على الأعداء لا يلينون حفاظاً على عزة أنفسهم وكرامة ديارهم.

وأما النهي الوارد في السنة عن التباغض والتحاسد ونحوهما: فهو الحديث (المتفق عليه) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» أي: لا تُحدثوا في النفوس بغضاً يغمّ القلوب، ولا يحسد أحدكم غيره بأن يتمنى زوال النعمة عنه، ولا تدابروا، أي: لا يُعرِض أحدكم عن أخيه، ولا تقاطعوا، أي: لا تتركوا التواصل المؤدي إلى الكراهية والنفرة، ولا يحل أن يهجر أحد أخاه، أي: أن يترك مسلم أخاه من دون اتصال أو زيارة أو كلام، فذلك يغضب الرحمن.

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب الجنة يومَ الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا، أنْظِروا هذين حتى يصطلحا»، وفي رواية لمسلم: «تعرض الأعمال كلَّ يوم خميس واثنين». دلَّ الحديث على تحريم التقاطع لغير سبب شرعي، وعلى أن هجران المسلم أو مقاطعته تمنع من دخول الجنة.

وحرَّم الإسلام الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دينية أو دنيوية، أدبية أو مادية، علمية أو اجتماعية، لقول الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 4/54].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (المتفق عليه) عن أنس: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا.. »، وقوله أيضاً فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» أو قال: «العُشب»، أي: احذروا الحسد، فإنه يُذهب حسنات الأعمال الصالحة كما تلتهم النار الحطب أو العشب: وهو الحشيش اليابس.

دلَّ الحديث على تحريم الحسد، وأنه من الكبائر لأنه يقضي على الحسنات كما تقضي النار على الحطب والعشب اليابس.

وهذا الضرر الحاصل من الحسد يلحق بالحاسد أولاً، فيكون أثره مثل الوباء الذي يدمر صاحبه مباشرة، أما بالنسبة للمحسود فإنه لا يتضرر إلا بإذن الله ومراده ومشيئته، ففعل الحسد في المحسود غير محقِّق الأثر فيه، على عكس الحاسد فإن الضرر فيه محقق.

إن هذه الأخلاق أو العيوب من تباغض وتحاسد وتقاطع وتدابر أمراض قلبية خطيرة يجب على المسلم الابتعاد عنها وتصفية نفسه منها لإشاعة المودة والمحبة والتآخي فيما بين الناس.

* أهم المصادر والمراجع:

- سنن أبي داود: الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني.

- صحيح مسلم بشرح الإمام النووي: الإمام النووي.

- توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

- خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي.