ستر العورة من موجبات دخول الجنة
 

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرى أحد من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله الجنة).

وفي رواية عن عقبة بن عامر الجهمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى عورة أخيه فسترها كان كمن أحيا موؤدة من قبرها).

* شرحه:

الموؤدة: الأنثى التي يدفنها وليّها خشية العار والفقر وهي عادة جاهلية أبطلها الإسلام.

عورة: ما يجب ستره من الأعضاء، وما يكره الإنسان ظهوره ويستحي من كشفه من العيوب والنقائص.

ووجه التشبيه أن من أطّلع على عيبه وقبحه قد يختار الموت على أن يطلع الغير عليه فيصير في حكم الميت لما يلحقه من الحياء والندامة والخجالة التي هي بمثابة الموت، فمن سترها فكأنه أحياه وأخرجه من القبر (من كتاب فضل الصمد 2/237).

 * ما يرشد إليه الحديث:

نرى في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث الكثيرة الحث على ستر المسلم والتحذير من تتبّع عورته وزلاّته ليفضحه بين الناس، وقد روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته).

روي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قوماً لم يكن لهم عيوب – أي لم تظهر عيوبهم للناس – فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركت قوماً كانت لهم عيوب، فكفّوا عن عيوب الناس فنسيت.

لذا فإنه من الواجب على المسلم أن يستر أخاه ويبلغ في ستره ولا يفضح أمره إلا إذا كان في الذي نعمله تعدّي على المجتمع أو الأمة أو الأفراد فقد روى الخرائطي في (مكارم الأخلاق) (225) عن عمر بن شبة حدثنا يحيى بن سعيد القطّان، عن شعبة قال: سمعت يحيى المُجبِر: سمعت أبا ماجد يقول:

(كنت قاعداً مع عبد الله بن مسعود إذ جاءه رجل فقال: هذا نشوان – أي سكران – فقال عبد الله: ترتروه واستنكهوه فوجدوه نَشْوان، فحبسه حتى ذهب سكره، ثم دعا بسَوْط فكسر ثمرَه، ثم قال: اجلد، وارفع يدك، وأعطِ كلّ عضوٍ حقه. قال: فجلده وعليه قباء، أو قرطق فلمّا فرغ قال: ما أنت منه؟ قال: عمه أو ابن أخي. فقال عبدالله: ما أدّبت فأحسنت الأدب ولا سترت الخزية إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حدّ أن يقيمه إن الله تعالى عفوّ يحب العفو ثم قرأ: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم)) [النور:22]، ثم قال: إني لأذكر أول رجل قطعه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه قال: وما يمنعني ألا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، إنه ينبغي للسلطان إذا انتهى إليه حد أن يقيمه، إن الله عفو يحب العفو.

((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم)) [النور:22].

* فائدة:

هذا الحديث من الأحاديث التي سافر بها أبو أيوب إلى عقبة بن عامر رضي الله عنهما إلى مصر، وذلك أنه قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد فأخبره فعجل عليه فخرج إليه فعانقه ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟

فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ستر مؤمناً في الدنيا على خربة – أي ستر سوءة أو معصية – ستره الله يوم القيامة).

فقال أبو أيوب : صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر.

....

  • أهم المصادر والمراجع:

-          الأربعون حديثاً في اصطناع المعروف: الإمام زكي الدين عبدالعظيم المنذري

-          انظر: الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح المقدسي.

-          خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

-          معرفة علوم الحديث:الإمام الحاكم.