أخوَّة الإيمان والإسلام
 

عن أبي حمزة أنس بن مالكٍ رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يُؤمنُ أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه» رواه البخاري ومسلم.

أهميته:

قال النووي رحمه الله تعالى، في شرحه لصحيح مسلم: قال الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، إمام المالكية بالمغرب في زمنه: جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» وقوله صلى الله عليه وسلم:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه» وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له الوصية:« لا تغضب» وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

ولعل هذا هو السر في اختيار النووي رحمه الله تعالى هذه الأحاديث الأربعة في أربعينه، وقد مر بك بعضها وسيأتي بقيتها إن شاء الله تعالى.

وقال الجرداني في شرحه للأربعين النووية: إن هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام.

لغة الحديث:

«لا يؤمن»: الإيمان الكامل.

«أحدكم»: من يدعي الإيمان والإسلام منكم.

«لأخيه»: المسلم والمسلمة، وقيل: لأخيه الإنسان.

«ما يحب لنفسه»: مثل الذي يحبه لنفسه من الخير.

فقه الحديث وما يرشد إليه:

1- تماسك المجتمع المسلم والمحبة والود فيه: يهدف الإسلام أن يعيش الناي جميعاً متوادين ومتحابين، يسعى كل فرد منهم في مصلحة الجميع وسعادة المجتمع، حتى تسود العدالة، وتنتشر الطمأنينة في النفوس، ويقوم التعاون والتضامن فيما بينهم، ولا يتحقق ذلك كله إلا إذا أراد كل فرد في المجتمع لغيره ما يريده لنفسه من السعادة والخير والرخاء، ولذا نجده صلى الله عليه وسلم يربط ذك بالإيمان، ويجعله خصلة من خصاله.

2- الإيمان الكامل: إن أصل الإيمان يتحقق بتصديق القلب الجازم، وإذعانه لربوبية الله عز وجل، والاعتقاد ببقية الأركان من الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، ولا يتوقف أصل الأيمان على شيء سوى ذلك. وفي هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا ترسخ جذوره في النفس، ولا يتمكن من القلب، ولا يكمل في صدر المسلم، إلا إذا أصبح إنسان خير، بعيداً عن الأنانية والحقد، والكراهية والحسد، فلا يحب للناس إلا مثل ما يحبه لنفسه، من السلامة من الشر والأذى، والتمتع برغد العيش، والفوز برضوان الله سبحانه، والقرب منه جل وعلا. ومما يحقق هذا الكمال في نفس المسلم:

أ- أن يحب لغيره من الخير المباح وفعل الطاعات ما يحبه لنفسه، وأن يبغض لهم من الشر والمعصية ما يبغضه لنفسه أيضاً.

أخرج أحمد من حديث معاذ رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فقال:«أن تحبَّ للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما نكرهُ لنفسك».

ب- أن يجتهد في إصلاح أخيه المسلم، إذا رأى منه تقصيراً في واجبه، أو نقصاً في دينه.

أن يبادر إلى إنصاف أخيه المسلم من نفسه، ويؤدي إليه حقوقه، كما يحب هو أن ينتصف لنفسه من غيره، ويحصل على حقه منه.

روى مسلم: عن عبد الله بن عمرو العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أحبَّ أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنَّة، فلتدركْه منيَّتُه وهو مؤمنٌ بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتى إليه».

3- سمو المسلم وإنسانيته: من كمال الإيمان في المسلم أن لا يقتصر في حب الخير لغيره وبغض الشر له على المسلم فحسب، بل يحب ذلك لغير المسلم أيضاً ولا سيما الإيمان، فيحب للكافر أن يسلم ويؤمن، ويكره فيه ويبغض له الكفر والفسوق، قال عليه الصلاة والسلام:«وأحبَّ للناس ما تُحبُّ لنفسكَ تكنْ مسلماً» رواه الترمذي. ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً.

4- التنافس في الخير من كمال الإيمان: ليس من نقص الإيمان ولا من الحسد، أن يطلب المسلم من الله تعالى، أن يمن عليه بمثل الفضائل الأخروية التي فاقه بها غيره، ويجتهد أن يلحقه فيها، بل ذلك من كمال الإيمان، ومما قاله الله تعالى فيه:﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].

5- المجتمع الفاضل ثمرة من ثمرات الإيمان: في هذا الحديث حث منه صلى الله عليه وسلم لكل مسلم، أن يحمل نفسه على حب الخير للناس، ليكون ذلك برهاناً منه على صدق إيمانه وحسن إسلامه، وبالتالي ليتحقق المجتمع الفاضل، لأنه إذا أحبَّ كلُّ واحد من الناس لغيره أن يكون مثله في الخير أحسن إليهم، وأمسك عن إيذائهم، وعندها يُحبونه ويُحسنون إليه ويُمسكون عن إيذائه. وهكذا تسري المحبة بين الناس جميعاً، وينتشر بينهم الخير، ويرتفع الظلم واشر، وتنتظم شؤون الحياة، طالما أصبح كل فرد يشعر بمصلحة الجميع، يسر لسرورهم، ويفرح لفرحهم، ويتألم لألمهم، كما قرر المصطفى صلى لله عليه وسلم إذ يقول:«ترى المؤمنين في توادَّهم وتراحُمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تدَاعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى» أخرجه البخاري ومسلم. وحينئذ يحقق الله تعالى لهذا المجتمع المؤمن، العزة والكرامة والسيادة في الدنيا، وحسن المثوبة والجزاء في الآخرة.

6- المجتمع غير الإيماني مجتمع أناني بغيض: إذا ذبل الإيمان في القلوب وانتفى كماله انتفت محبة الخير للناس من النفوس، وحل محلها الحسد ونية الغش، وتمكنت الأنانية في المجتمع، وأصبح الناس ذئاباً بشرية، وفسدت الحياة، وساد الظلم، وتغلغل الحقد والمقد، وعمت الكراهية والبغض، وانطبق على مثل هذا المجتمع قول الله عز وجل:﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل:21].

7- وأفاد الحديث:

أ- الحث على ائتلاف قلوب الناس، والعمل على انتظام أحوالهم، وهذا من أهم ما جاء الإسلام من أجله وسعى إليه.

ب- التنفير من الحسد، لأنه يتنافى مع كمال الإيمان، فإن الحاسد يكره أن يفوقه أحد في خير أو يُساويه فيه، بل ربما تمنى زواله عنه ولو لم يصل إليه.

ج- الإيمان يزيد وينقص: تزيده الطاعة وتنقصه المعصية.

* * *