في رحاب حديث.. (لا عَدْوَى)
 

إنّ موضوعَ العدوى قد بيَّنه النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ قبل أكثر من أربعةَ عشرَ قرناً، ففي صحيح البخاريَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: «لا عدوى، ولا صَفَرَ، ولا هَامَةَ»، فقال أعرابيٌّ: يا رسول الله فما بالُ إبلي تكون في الرَّمل كأنَّها الظَّباء، فيأتي البعير الأَجْرَبُ فيدخلُ بينها فيُجْرِبُهَا؟ فقال: «فمنْ أعدى الأوَّلَ؟»، النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه وحيٌ يوحى، يقول: «لا عَدْوَى»، والعدوى ثابتةٌ، ألم يقلْ في حديثٍ آخرَ عن أُسامة بن زيدٍ ُيحدَّثُ سعداً عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا سمعتم بالطَّاعون بأرضٍ فلا تَدْخُلُوهَا، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، لماذا؟ من أجل العدوى، وإنّ أحدث بحثٍ في علم الجراثيم مفاده أنه لا عدوى، فالجرثوم قد ينتقل من مريضٍ إلى صحيحٍ؛ فيمرض الصحيح الثاني، وقدينتل من مريضٍ إلى صحيحٍ فتسبَّب هذه الجرثومة للصحيح مناعةً يزداد بها قوةً، وقد ينتقل من صحيحٍ إلى صحيحٍ أولٍ، وثانٍ، وثالثٍ، ورابعٍ، وخامسٍ، وعاشرٍ، فيصابُ الصحيحُ العاشرُ.

فحينما قال النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ: «لا عَدْوَى، ولا صَفَرَ، ولا هَامَةَ»، أي: إنّ العدوى لا تمرضُ، ولكنّ العدوى تهيَّئ أسباب المرض، هذا معنى قول النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو في منتهى الدقَّة.

وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأسدِ»، فِرَّ منه، ليس في هذا الحديث تناقضٌ أبداً، العدوى وحدها لا تمرض، ولكنَّ العدوى تهيئ أسباب المرض.

شيءٌ أخرُ، ثمة شيءٌ اسمه النسمةُ، وقد فسَّرها العلماء بأنها حيوناتٌ صغيرةٌ دقيقةٌ تسبَّب للإنسان ضيق النفس، أي: الجراثيم، وقد سُئل بعض علماء الجراثيم: ما المنطقة في الإنسان التي تكثر فيها العدوى، فقال: الأطراف الأربعة والوجه، ونحن نقول: ما الوضوء؟ يجب أنْ تغسل يديْك لا في الإناء، إذ نهانا النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أنْ نغسل أيدينا في الإناء، فإذا كان في الأيدي جراثيم لا ينتقل هذا الجرثوم إلى ماء الإناء، والنبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ علَّمنا هذه المنافذ التي يتفذُ منها الجرثوم إلى الجسم، كالأنف و الفم، والأذنان، هذه ممَّا شُرع لنا غسلها في اليوم والليلة خمس مراتٍ، والوضوءُ أكبرُ وقايةٍ من العدوى، ففيه المضمضةُ، والاستنشاقُ، وغسلُ الوجهِ، واليدينِ، والرجلين.

شيءٌ آخرُ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمرنا بالسواك، وفي أحدث بحوث السواك أنّ فيه مادةً قاتلةً للجراثيم، لذلك بعض المعاجين الآن تستخدم مسحوق السواك في المعجون.

شيءٌ آخرُ: العدوى تنتقل عن طريق جهاز التنفس، لذلك قال النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ لأحدِ أصحابه وهو يشربُ: «أَبِنِ القدحَ عن فِيكَ»، أَبْعِدْهُ عن فَمِك لئلاَّ يكون النفسُ فيه.

ونهى النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أن يتنفَّسَ الإنسانُ في الإناء إذا شربَ منه، لذلك هذه التوجيهاتُ النبويةُ التي قالها النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ قبل أكثر من 1400 عام تنطبق على أحدث الموضوعات المتعلقة بالعدوى والجراثيم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يُوردُ مُمْرِضٌ على مُصِحًّ»، فلا ينبغي للمريض أن يتصل بصحيح، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا سمعتم بالطَّاعون بأرضٍ فلا تَدْخُلُوهَا».

فالنبيُّ لا ينفي العدوى، ولكنْ ينفي أن تكون العدوى سبباً للمرض، أَمَرَنا أن نأخذَ الوقايةَ، ولكن العدوى وحْدها لا تكفي لنقل المرض، لأنّ هناك حالاتٍ كثيرةً لا تكفي العدوى فيها للمرض، هذه التوجيهاتُ النبويةُ من أدقَّ التوجيهاتِ العلميةِ، لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطبق عن الهوى، لأنّ في تعليماتِ الصانعِ.

* * *

* المصدر:

- آيات الله تعالى في الإنسان: د. محمد راتب النابلسي.

- انظر: الطب الإسلامي: د. محمد نزار الدقر.