النوع الثاني والعشرون معرفة المقلوب
 

هو: نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع، ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه.

وكذلك: ما رويناه أن البخاري رضي الله عنه قدم بغداد، فاجتمع قبل مجلسه قوم من أصحاب الحديث، وعمدوا إلى مائة حديث، فقبلوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن الإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلما فرغوا من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالفضل.

ومن أمثلته، ويصلح مثالاً للمعلل: ما رويناه عن إسحق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا أقمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني».

قال إسحق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد، فسألته عن الحديث، فقال: وهم أبو النضر، إنما كنا جميعاً في مجلس ثابت البناتي وحجاج بن أبي عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواب: عن يحيى بن كثير، عن عبد الله أبي قتادة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أقمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني».

فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس.

أبو النضر هو جرير بن حازم، والله أعلم.

[فصل] قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة والحمد لله، فلننبه الآن على أمور مهمة:

أحدها:إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف، فلك أن تقول هذا ضعيف، وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف. وليس لك أن تقول هذا ضعيف، وتعني به ضعف متن الحديث، بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون مروياً بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث. بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به، أو بأنه حديث ضعيف، أو نحو هذا، مفسراً وجه القدح فيه. فإن أطلق ولم يفسر، ففيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى، فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه، والله أعلم.

الثاني: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة، من غير اهتمام ببيان ضعفها، فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق بالأحكام والعقائد. وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهما.

الثالث: إذا أردت الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك. وإنما تقول فيه: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو: بلغنا عنه كذا وكذا، أو وردعنه، أو: جاء عنه، أو:روى بعضهم، وما أشبه ذلك. وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولاً، والله أعلم.

  • المصدر:

-          مقدمة ابن الصلاح: ابن الصلاح.