حبه صلى الله عليه وسلم الفأل الصالح وكراهته التطير
 

روى البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طِيَرة، ويُعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة».

قال في (النهاية): الطِّيَرة: بكسر الطاء وفتح الياء،  وقد تُسكَّن: هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطيَّر، يقال: تطيرة طِيرة، وتخيَّر خِيرة.

قال: وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يقيِّدهم- أي: يمنعهم في عهد الجاهلية- عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضُرٍّ.

وقال أيضاً: الفأل- مهموز- فيما يسرّ ويسوء، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وربما استعملت فيما يسرّ.

وقال أيضاً: وقد جاءت الطيرة بمعنى الجنس، والفأل بمعنى النوع.

وأشار بذلك إلى ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة، وخيرها الفأل».

قالوا: وما الفأل ي رسول الله؟

قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم».

ولذا قال في (المرقاة) يشرح قوله صلى الله عليه وسلم: «وخيرها الفأل» أي: خير أنواع الطيرة بالمعنى اللغوي الأعم من المأخذ الأصلي.

والخلاصة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الصالح، أي: الكلمة الحسنة المبشرة بخير.كما روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد يا نجيح».

فالتفأؤل والاستبشار بالخير محمود شرعاً، كأنْ يسمع طالبُ ضالة: يا واجد، وأن يسمع التاجر: يا رازق، والمسافر: يا سالم، وقاصد الحاجة: يا نجيح، والغازي: يا منصور، والحاجُّ: يا مبرور، والزائر: يا مقبول، وأمثال ذلك، كما في (المرقاة) وغيرها.

وأما التطيُّر بمعنى التشأوم: فهو منهي عنه شرعاً:

وروى الإمام أحمد في (مسنده) بسند حسن، عن اين عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير، وكان يحبُّ الاسم الحسن».

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى، ولا طِيرة، ولا هامةَ، ولا صَفَر، وفِرَّ من المجذوم فِرارك من الأسد».

فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثير العدوى من ذاتها، وأنها لا محالة مؤثرة، كما كانوا يعتقدونه في الجاهلية وإنما هي سبب من الأسباب، والفعَّال المؤثر بالأسباب هو الله تعالى وحده.

روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى، ولا هامةَ، ولا صفرَ».

فقال الإعرابي: يا رسول الله فما بالُ الإبل تكون في الرمل لكأنها الظِّباء، فيخالطها البعير الأجرب فيُجْرِبها؟!.

فقال صلى الله عليه وسلم: «فمن أعدى الأول»؟.

فالعدوى سبب، ولكنها لا تؤثر من ذاتها، وإنما تؤثر بإذن الله تعالى ومشيئته، وقدرته وإرادته، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «وفِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» أي: حذراً من أن تؤثر فيك العدوى بإذن الله تعالى وقدرته.

وقد قال العارفون: الأسباب حُجَّاب بين يدي رب الأرباب، يتصرَّف فيها بقدرته ومشيئته وحكمته، وهو المؤثر الفعَّال.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا طيرة» أي: لا اعتبار للتطير في الشؤم.

وقال بعضهم: هو نفي معناه النهي، أي: لا تتطيروا ولا تتشاءموا.

«ولا هامة» قال في (المرقاة): هي اسم طير يتشاءم به الناس، وهي الصَّدَى، وهو طير كبير يضعف بصره في النهار، ويطير في الليل، ويصوِّت، ويسكن الخراب، ويقال له: بوم، وهذا أحد قولين حكاهما الإمام النووي.

وثانيهما: كانت العرب تزعم أن عظام الميت- وقيل: روحه- تنقلب هامة تطير- قال: وهذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين معاً، فإنهما باطلان.

«ولا صفر» قال أبو داود: سئل مالك عن قوله: «ولا صفر»؟ فقال: إنّ أهل الجاهلية كانوا يُحِلُّون صفر: يُحلونه عاماً، ويحرمونه عاماً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا صفر».

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يرى ما يكرهه، وربما دخل عليه التشاؤم منه، أن يقول: «اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» كما في (سنن) أبي داود.

وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ردَّتْه الطِيرة- أي: منعته- من حاجته، فقد أشرك».

قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟

فقال: «يقول: اللهم لا خيرَ إلا خيرك، ولا طيرَ إلا طيرك، ولا إله غيرك».

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (شمائله المحمدية وخصاله المجيدة): الشيخ عبدالله سراج الدين.

-          الشمائل المحمدية: د. مصطفى البغا.