لا يخلو مجلس مسلم من ذكر
 

وعَنْ أَبِي هُريرةَ- رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ- قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَداً لمْ يَذْكُرُوا اللهَ فيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ» أخرجَهُ التِّرمذيُّ، وقالَ حسنٌ.

 

- درجة الحديث:

الحديث حسن.

صححه الحاكم ووافقه الذهبي .

وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي وقال حسن.

وقال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة.

فقد نقل حسنه وأقره العراقي وابن حجر رحمهما الله تعالى.

وللحديث طريقان عن أبي هريرة عند أحمد وابن حبان ورجالهما رجال الصحيح.

 

- مفردات الحديث:

حَسْرة: هو شدة التلهف والتأسف والحزن على ما فرط فيه.

 

- ما يؤخذ من الأحاديث:

1- هذه الأحاديث الشريفة كلها في بيان فضل ذكر الله تعالى:

فإن الحديث يدل على أن الله تعالى مع عبده بالعون والتسديد والتوفيق، ما دام عبده يذكره في قلبه، ويعلم قربه منه ومراقبته إياه، واستماعه لذكره وقربه من مناجاته، وما دامت شفتاه تنطقان بذكره وترفان بتمجيده.

2- وأما الحديث فإنه يدل على أن أنجى عمل ينجي العبد من عذاب الله هو ذكر الله تعالى، فإنه وقاية تامة وحصن حصين من العذاب يوم القيامة، فملازمة ذكر الله تعالى أمان من عذاب الله وحرز من غضبه ونقمته.

3- وأما الحديث فيدل على فضل مجالس الذكر، وأنها المجالس التي تحفّها الملائكة وتحضرها، رضا بها ومحبة لأهلها وليخبروا ربهم عنها، وهو أعلم بها منهم، ويذكهم الله تعالى فيمن عنده في الملأ الأعلى، فيباهي بهم ملائكته، ويُشْهِدهم على أنه غفر لعباده، وأعطاهم سؤالهم من مرضاته، وأنجاهم مما حذروا منه من عذابه، وأعطاهم ما أمّلوه من جنته.

4- وأما الحديث فإنه يدل على ندامة وخسارة القوم الذين يقعدون مقعداً ثم يقومون منه ولم يجر على قلوبهم ولا على ألسنتهم ذكر الله تعالى ولا ذكر رسوله والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإن هذه المجالس الخالية من ذكر الله وصلاة وسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ستكون عليهم حسرة يوم القيامة، لأنهم خسروه ولم يستفيدوا منه.

هذا إن كان مجلساً مباحاً لم تجر فيه غيبة ولا سب ولا شتم، ولم يُؤْتَ فيه بألفاظ محرمة.

وأما إن كان مجلس شر ولهو فهي الطامة الكبرى على أهله.

5- معية الله تعالى مع خلقه نوعان: عامة وخاصة.

فأما المعية العامة فهي التي بمعنى الإحاطة والاطلاع والمراقبة والعلم، وهذه هي المعية التي مع جميع خلقه.

وأما المعية الخاصة فهي التي بمعنى النصر والحفظ والإعانة، وهذه معية خاصة بعباده المؤمنين.

6- ومذهب أهل السنة والجماعة أن معية الله تعالى لا تقتضي أن يكون الله تعالى حالاً في أمكنة من هو معهم، ولا أنه مختلط بهم، فهذا معنى باطل يذهب إليه الحيلولة.

فأهل السنة يرون أنه تعالى عالٍ على عرشه بائن من خلقه، له العلو الكامل علو الذات وعلو الصفة وعلو القدر، ولا تكاد تحصر أدلة هذه المسألة.

7- إن أفضل الذكر هو ما نطق به اللسان واستحضره القلب، وإلا فيكون ذكر في القلب فقط وفي اللسان فقط ولكن هذا هو أفضلها.

8- إن ذكر الله تعالى من أقوى الأسباب في النجاة من عذاب الله.

9- يدل الحديث على أن أفعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها، أنها كلها واقعة بإرادتهم وقدرتهم، وأنهم لم يُجْبَروا عليها، بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة والإرادة والأعضاء.

وأن الأمور كلها واقعة بقضاء الله وقدره، فلا يخرج شيء عن مشيئته، وإرادته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأنه لا منافاة بين الأمرين، فالحوادث كلها بمشيئة الله وإرادته، والعباد هم القائمون بأفعالهم المختارون لها.

10- ويدل الحديث على أن الملائكة يطوفون في الأرض لسماع القرآن وحضور مجالس الذكر، وإعلام ربهم عن ذلك لحكمته، وإلا فهو أعلم منهم بخلقه، وأنهم يحفّون مجالس الخير، وحِلَق العلم وبيوت الله تعالى.

11- ويدل الحديث على فرح الله تعالى بطاعة خلقه له، وعبادتهم إياه مع غناه عنهم وعن عباداتهم، ولكنه يرضى ذلك لعباده لكمال فضله ورحمته بعباده، وتحقيق حكمته من خلق عباده.

12- ويدل الحديث على فضل ذكر الله تعالى، وفضل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن المجلس الذي يفقد ذلك فهو مجلس مشؤوم على أهله، وَبَال عليهم.

13- ويدل على حفظ الوقت والحرص عليه، وعدم إضاعته فيما لا ينفع ولا يفيد، وأن الواجب هو المحافظة عليه، وأن لا يمر إلا بحصول فائدة وإيداعها فيه، وأن أفضل ما تنفق فيه الأوقات ويصرف فيه هو ذكر الله تعالى، وأن مِن ذكر الله مجالس العلم، وتعلّم أحكام الله تعالى من أصول الدين وفروعه.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- توضيح الأحكام من بلوغ المرام: الشيخ عبدالله البسام.

- الوافي في شرح الأربعين النووية: د. مصطفى البغا / محي الدين مستو.

- الرياض الندية في شرح الأربعين النووية: الإمام ابن دقيق العيد / العثيمين / الإمام النووي.

- الجواهر اللؤلؤية في شرح الأربعين النووية: محمد عبدالله الجرداني.

- شرح الأربعين النووية: الإمام النووي.