البياض هو خير اللباس وهو لباس أهل الجنة
 

* عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا مِنْ ثيابكمُ البياضَ، فإنَّها مِنْ خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه.

* وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البسوا البياضَ، فإنَّها أَطْهَرُ وأطيَبُ، وكفِّنوا فيها موتاكم). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

فكن أخا الإسلام: منفذاً للمراد من هذه الوصية.. التي مضمونها أنه من الخير لنا أن نؤثر الثياب البيضاء علي غيرها في نحو قميص أو عمامة أو إزار.. مع ملاحظة كذلك أن الأمر فيها- كما جاء في نص الوصية- للندب، وذلك لأنها من خير ثيابنا وأطهرها وأطيبها.. ولهذا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى نص الوصية التي ندور حولها – في حديث رواه سمرة رضي الله عنه: «البسوا البياض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرطيهما.

للندب المؤكد، أي أنه يكره التكفين في غير أبيض...وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنها أطهر وأطيب): تعليل للأمر بلبسها...وإنما كانت أطهر لأنها تحكي ما يصيبها من النجاسة عيناً أو أثراً، يعني أن لونها يظهر لون النجاسة..وإنما كانت أطيب لدلالتها على التواضع والتخشع وعدم الكبر والعُجب...

(وأحب) أن أذكر الأخ المسلم ببعض الأحاديث الشريفة التي تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم- وهو قدوتنا- كان يلبس غير البياض الذي كان خير ثيابه:

(فعن) البراء رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً، ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه». متفق عليه.

(وعن) أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم فخرج بلال بوضوئه، فمن ناضح ونائل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه فتوضأ وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه ههنا وهاهنا، يقول يميناً وشمالاً: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم ركزت له غنرة، فتقدم فصلى يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع».. متفق عليه.

(وعن) أبي رمثة رفاعة التميمي رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران». رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح.

(وعن) جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء). رواه مسلم.

(وعن) أبي سعيد عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه) رواه مسلم، وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في عمامة سوداء.

قال الشيخ: ولبسه السواد حينئذ تنبيهاً على عدم المنع منه.. وفيه استحباب إرخاء طرفي العذبة بين الكتفين.

(وهذا) معناه الجواز بالنسبة لغير البياض.. اللهم إلا إذا كان الغير هذا من المحرم المنهي عنه، وهو الحرير الخالص- الذي هو من دودة القز- كما علمنا قبل هذا.. على الذكور دون الإناث.. (فعن) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح..

(وعن) أنس رضي الله عنه قال: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما» متفق عليه.

(وقد) روى حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» أخرجه السبعة، قال ابن مندة: مجمع على صحته.

(وعن) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» أخرجه مسلم.

(وعن) أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه. والمراد بالحرير، أي المحض، وكذا المركب منه ومن غيره، والحرير الأكثر وجوداً.

(وعن) عمر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وقد أخرج الحديث ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ: «إن الحرير لا يصلح إلا هكذا أو هكذا» يعني أصبعين أو ثلاثاً أو أربعاً. ومن قال المراد أن يكون في كل كم إصبعان فإنه يرده رواية النسائي: (لم يرخص في الديباج إلا في موضع أربع أصابع)، وهذا أي الترخيص في الأربع أصابع مذهب الجمهور، وعن مالك في رواية منعه، وسواء كان منسوجاً أو ملصقاً، ويقاس عليه الجلوس...

(هذا) ولما كان الحديث الذي ندور حوله يشير إلى ما ينبغي أن نكفن فيه موتانا.. من الذكور والإناث.. فقد رأيت أن أقف مع الأخ القارئ.. على أهم ما جاء في (الدين الخالص) ج8- مختصراً- تحت عنوان:

تكفين الميت:

فقد ذكر أنه فرض كفاية بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم- في شأن المحرم الذي وقصته ناقته: «وكفنوه في ثوبيه» الحديث أخرجه السبعة..(ويقدم) على الَّدين والوصية..فإن كان الميت موسراً كُفِّن من ماله، وإلا فكفنه على من تلزمه نفقته إلا الزوج فلا يُلزم بكفن امرأته عند محمد بن الحسن وأحمد وهو مشهور مذهب مالك وصححه الماوردي وغيره من الشافعية...(فيجب) كفنها من مالها لأنها بالموت صارت أجنبية فلا يلزم الرجل كفنها.

(وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف يلزم الرجل كفنها ولو تركت مالاً وعليه الفتوى وهو الأصح عن الشافعية، وروى عن مالك، لأنه تابع للمؤنة كالكسوة، فمن لزمه كسوتها في الحياة يلزمه كفنها بعد الوفاة كالأمَة مع السيد.

(فإن) لم يكن للميت مال ولا زوج ولا منفق فكفنه في بيت المال. فإن لم يعط ظلماً أو عجزاً فعلى الناس. ولا يشترط كون التكفين من مكلف حتى لو كفنه صبي أو مجنون أجزأ لوجود المقصود

(وحكمة) وجوب التكفين أن ستر الإنسان واجب في الحياة فكذا بعد الموت.

(ثم) إن الكلام في الكفن ينحصر في عشرة فصول: فإليك خلاصة تلك الفصول التي أرجو أن تكون منفذاً لها.

أولاً: أنه يستحب في الكفن أن يكون أبيضاً،- بنص الأحاديث الواردة في هذا – كما يستحب تطييب الكفن وتراً، بأن يدار بالمجمر وفيه العود مرة أو ثلاثاً أو خمساً على الكفن بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق الرائحة به (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً» أخرجه أحمد والبزار والحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البيهقي بلفظ: «إذا أجمرتم الميت فأوتروا». وروى: «أجمروا كفن الميت ثلاثاً».

(وهذا) في حق غير المحرم فلا يبخر كفنه لحديث ابن عباس أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته وهو محرم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة مُلبياً» أخرجه السبعة.

(ويستحب) تحسين كفن الميت بتنظيفه وكونه متوسطاً ساتراً الميت غير مُحرم استعماله.

(لحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحْسن كفنه» أخرجه السبعة إلا البخاري.

(وينبغي) تجنب المغالاة في الكفن (روى) عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عند موته: ابتاعوا لي كفناً، فأتى بحلة ثمنها ثلثمائة وخمسين درهماً فقال: لا حاجة لي بها، اشتروا لي ثوبين أبيضين ولا عليكم ألا تغالوا فإنهما لم يتركا على إلا قليلاً حتى أبدل بهما خيراً منهما أو شراً منهما) أخرجه ابن شيبة والحاكم والبيهقي.

(والثوب) الغسيل والجديد سواء عند الحنفيين (لقول) عائشة: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين: قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين. قال: أرجو فيما بيني وبين الليل فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما. قلت: إن هذا خلق قال: إن الحيّ أحق بالجديد من الميت. إنما هو للمهلة، فلم يُتَوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح. أخرجه البخاري

(وقالت) المالكية والشافعية: الغسيل في الكفن أفضل (لقول) عبادة بن نسى: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة: اغسلي ثوبي هذين وكفنيني بهما فغنما أبوك أحد رجلين: إما مكسور أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد كتاب الزهد.

(وقالت) الحنبلية يجب أن يكون الكفن جديداً إلا أن يوصي الميت بغيره فتمتثل وصيته كما ورد عن الصديق، وبه قال الجمهور (لحديث) عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه قال لها: يا بنبة أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين. قال في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: يا أبت كفناه في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجاً. أخرجه أحمد والبيهقي.

(ثم) يقول تحت عنوان:

ما يكون منه الكفن:

يكفن الميت فيما يحل له لبسه حياً، فلا يكفن الرجل في الحرير إلا إذا لم يوجد غيره لكن لا يزاد على ثوب. (وأما) المرأة فيكره تكفينها في الحرير عند وجود غيره عند الجمهور لأن فيه سَرفاً وإضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج (وقيل) يجوز تكفينها فيه. والأشبه الحرمة لما فيه من السرف والمغالاة المنهى عنها. قال أحمد: لا يعجبني أن تكفن المرأة في شيء من الحرير

(وأما) المعصفر والمزعفر فيكره فيه عند الشافعي وأحمد ولا يكره عند الحنفيين ومالك، ويعتبر في الكفن المباح حال الميت فإن كان غنياً فمن جياد ثيابه، وإن كان متوسطاً فمن أوسطها، وإن كان فقيراً فبحسب حاله.

(ثم) يقول تحت عنوان:

كفن النبي صلى الله عليه وسلم:

كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمنية من قطن (قالت) عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية، من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. أخرجه الستة والبيهقي.

وهذا هو الصحيح الثابت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم وما خالفه ضعيف لا يحتج به. قال الترمذي: حديث عائشة أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.

(ثم) يقول تحت عنوان:

كفن الرجل:

أقله ثوب يستر جميع البدن (لقول) خباب بن الأرت: إن مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة فكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر» أخرجه البيهقي والسبعة إلا ابن ماجة.

(ولهذا) قال الحنفيون ومالك وأحمد: أقل الكفن ما يستر جميع بدن الميت ذكراً كان أو أنثى. وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين وبه جزم المحققون من الشافعية (وقال) العراقيون

منهم: أقل الكفن ما يستر العورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة فدل ذلك على أنه يجزئ فيه ما وارى العورة...إلى أن يقول بعد ذلك- في الدين الخالص- تحت عنوان:

كفن السنة:

السنة في كفن الذكر البالغ والمراهق عند الحنفيين:

ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة فالقميص من العنق للقدم بلا كُمين ولا فتحة صدر ولا دخريص وهو المعروف بالجنن فلا يوسع أسفله بخلاف قميص الحي. والإزار من القرن (الرأس) إلى القدم على المشهور، واللفافة يلف بها من القرن إلى القدم (الحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميص. أخرجه الطبراني في الأواسط بسند جيد.

(وتكره) الزيادة على الثلاث لأنه سرف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة كما تقدم (وقيل): لا بأس بالزيادة على ثلاثة إلى خمسة (الحديث) ابن عمر أنه كفن ابنه واقداً في خمسة أثواب: قميص وعمامة وثلاث لفائف، وأدار العمامة إلى تحت حنكه. خرجه سعيد ابن منصور في سننه.

(وقالت)الشافعية والحنبلية: السنة في كفن الرجل ثلاث لفائف بيض تعم جميع البدن سوى رأس المحرم. والفضل أن لا يكون فيها قميص ولا عمامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة.

(ولا يكره) زيادة قميص عليها ولا تكفينه في قميص بكمين وإزار ولفافة (لحديث) نافع عن ابن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه (الحديث) أخرجه الشيخان.

(ولا يكره) أيضاً عند الشافعية زيادة العمامة (لقول) نافع: إن ابنا لعبد الله بن عمر مات فكفنه ابن عمر في خمسة أثواب: عمامة وقميص وثلاث لفائف. أخرجه البيهقي

(وتكره) الزيادة على ذلك لأنه سرف.

(وكذا) تكره العمامة عند الحنبلية فالأفضل عندهم أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها (وأما) إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قميصه، فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص النبي صلى الله عليه وسلم. (وقيل) إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر.

(وقالت) الشافعية: فإن كان في الكفن قميص وعمامة استحب جعلها تحت الثياب لأن إظهارها للزينة وليس الحال زينة...

(وقالت) المالكية: يندب أن يكفن الرجل في خمسة: إزار وقميص ولفافتين وعمامة لها عذبة نحو الذراع ترسل على وجهه لما تقدم أن ابن عمر كفن ابنه في خمسة أثواب منها عمامة...إلخ

(ثم) يقول بعد ذلك- في الدين الخالص- تحت عنوان:

كيف يكفن الرجل:

كيفيته أن تبخر الكفان بالطيب مرة أو ثلاثاً أو خمساً (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أجمرتم الميت فأوتروا»وروى: «أجمروا كفن الميت ثلاثاً» أخرجه البيهقي. ثم تبسط اللفافة؟ ثم الإزار عليها ويوضع الميت في القميص، ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته، ويوضع الكافور على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما تقدم عن ابن مسعود: الكافور يوضع على مواضع السجود. أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة...ثم يوضع الميت على الإزار فيلف عليه من جهة يساره ثم من جهة يمينه ليكون الأيمن على الأيسر كما في حال الحياة، ثم تلف اللفافة عليه كذلك. ويجمع ما فضل عند رأسه فيرد على وجهه وما فضل عند رجليه عليهما ويربط الكفن إن خيف انتشاره، وإذا وضع في القبر حل الرباط. وأما عن:

كفن المرأة:

فإن المرأة كالرجل في أقل الكفن وكفن الضرورة- وهو ما يوجد- فالواجب في كفنها ثواب ساتر جميع البدن عند الثلاثة. وعند الشافعي: ثوب ساتر العورة وهي جميع بدن الحُرة إلا وجهها وكفيها. وأما كفن الكفاية- فهو أنه يكفي في كفن الذكر البالغ والمراهق ثوبان: إزار من الرأس إلى القدم على المشهور، ولفافة يلف بها من قرنه إلى قدمه. فيجوز الاقتصار عليهما بلا كراهة، ويكره النقص عنهما بلا ضرورة- وهو- أيضاً- في حق البالغة والمراهقة إزار ولفافة وخمار يغطي به رأسها، فيجوز الاقتصار عليها بلا كراهة. ويكره تكفينها في ثوبين بلا ضرورة. أنا الصغيرة فلا بأس بتكفينها في ثوبين.

(والسنة) في كفن المرأة البالغة المراهقة خمسة: قميص، وإزار، وخمار، ولفافة، وخرقة- عرضها ما بين الثدي والفخذ- يربط بها ثدياها وبطنها عند الحنفيين وكذا عند الشافعي وأحمد غير أنهما يجعلان بدل الخرقة لفافة..

(وقالت) المالكية: المستحب في كفن المرأة: سبعة أثواب: إزار، وقميص، وخمار، وأربع لفائف.. وكأنهم يرون أن اسم العدد لا مفهوم له. فأباحوا الزيادة على ما في الحديث: ورأوا أن الأمر في ذلك واسع (ومذهب) الأولين هو الراجح لموافقته للنص، ولأن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون للتشريع. (ثم) يقول تحت عنوان:

كيف تكفن المرأة:

كيفية تكفينها عند الحنفيين أن يطيب الكفن- كما- تقدم- ثم تبسط اللفافة، ثم الإزار، وتوضع المرأة في القميص ويجعل شعرها على صدرها ثم تخمر ثم توضع على الإزار فتلف به ثم باللفافة، ثم تربط الخرقة فوق الكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن لئلا ينتشر الكفن باضطرابها حال الحمل.

(وكيفيته) عند الشافعية والحنبلية: أن يشد على المرأة الإزار، ثم القميص، ثم الخمار، ثم تلف في لفافتين ويعقد الكفن إن خيف انتشاره صيانة للميت ثم يحل في القبر. (ثم) يقول عن:

كفن المحرم:

إذا مات المحرم يغسل بماء وسدر ولا يكفن في المخيط ولا تغطي رأسه ولا يطيب لبقاء حكم إحرامه (روى) سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيبٍ ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة مُلبياً» أخرجه السبعة والبيهقي.

(وبهذا) قال الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري.

(وعن) أحمد لا يغطي وجهه لما روى في الحديث: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه ولا يكفن في المخيط لأنه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت.

والعمل على انه يغطى جميع البدن المحرم إلا رأسه، فإن كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولا تطيب ولا يغطى وجهها لأنه يحرم على المحرمة في حياتها فكذلك بعد موتها.

(فإن ماتت) المتوفىَّ عنها زوجها في العدة فالأصح أن تطيب إنما حرم في الحياة لكونه يدعو إلى نكاحها وقد زال بالموت.

(وقال) الحنفيون ومالك والأوزاعي: إذا مات المحرم انقطع إحرامه فيكفن في المخيط وتغطى رأسه ويطيب، وهو مروى عن عائشة وابن عمر (فقد) مات ابنه واقد بالجحفة محرماً فكفنه وخمر وجهه ورأسه (وقال): لولا أنا حرم لطيبناه. أخرجه مالك في الموطأ. (ثم) يقول تحت عنوان:

كفن الصغير:

الصغير كالكبير في الكفن ذكراً كان أم أنثى عند الشافعية، فيستحب تكفين الصبي في ثلاثة أثواب كالبالغ.

(وقال) الحنفيون وأحمد: يحسن أن يكفن كالكبير ويجوز تكفينه في ثوب واحد بلا كراهة، ولا بأس بتكفين الصغيرة في ثوبين، والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن لأن المراهق حال حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة فكذا يكفن فيما يكفن فيه (قال) المروزي: سألت أبا عبد الله- يعني أحمد- في كم تكفن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين وقميص لا خمار فيه لأن غير البالغة لا يلزمها ستر رأسها في الصلاة.

(واختلفت) الرواية عن أحمد في الحد الذي تصير به في حكم المرأة في الكفن.

(فروى) عنه إذا بلغت (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم.

مفهومه أن غير البالغة لا تحتاج إلى خمار في صلاتها فكذا في كفنها، وقد كفن ابن سيرين بنته وقد قاربت الحيض بغير خمار.

(وروى) عن أحمد أنها إذا كانت تسع سنين يصنع ما يصنع بالمرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهي بنت تسع سنين. وروى أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسعاً فهي امرأة. (ثم) يقول تحت عنوان:

كفن السقط ونحوه:

السقط- بكسر السين- الجنين ينزل قبل تمامه وهو مستبين الخلق. وهو ومن ولد ميتاً يلفان في خرقة بلا مراعاة وجه الكفن كالعضو من الميت، فإذا وجد عضو من أعضاء الإنسان أو نصفه مشقوقاً طولاً، أو نصفه مقطوعاً عرضاً ليس معه الرأس يلف في خرقة، وإن كان معه الرأس يكفن، وقيل يلف في خرقة، وإن وجد أكثره يكفن لأن للأكثر حكم الكل.

(ثم) يشير بعد ذلك إلى بعض الملاحظات الهامة التي تتعلق بنبش القبر وسرقة الكفن.. فيقول تحت عنوان:

فوائد:

الأول:إذا نبش القبر وأخذ الكفن، فعند الشافعية:يجب تكفينه ثانياً سواء كفن من ماله أو من مال غيره، أو من بيت المال. (وقيل): إذا كفن من ماله ثم اقتسم الورثة التركة ثم نبش القبر وسرق استحب للورثة أن يكفنوه ثانياً ولا يلزمهم ذلك، لأنه لو لزمهم إلى ما لا يتناهى.

ولو كفن ثم أكله سبع وبقى الكفن:

(قيل) يقسم بين الورثة (وقيل): يكون لبيت المال لأنهم لم يرثوه عند الموت فلا يرثونه بعد. (وقال) الحنفيون: إذا نبش القبر وأخذ الكفن والميت لم يتفسخ: كفن ثانياً من جميع المال لأن حاجته إلى الكفن ثانياً كحاجته إليه.

أولاً: فإن قسم المال فالكفن على الوارث دون الغرماء والموصى له، لأنه بالقسمة انقطع حق الميت عنه فصار كأنه مات ولا مال له فيكفنه وارثه إن كان له مال، وإن لم يكن له مال ولا لمن تلزمه نفقته: فكفنه في بيت المال: وإن نبش بعد ما تفسخ وأخذ كفنه: كفن في ثوب واحد، لأنه إذا تفسخ خرج عن حكم الآدميين وصار كالسقط ولذا لا يصلى عليه.

الثانية: يجوز للإنسان أن يعد لنفسه كفناً (لحديث) سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها- أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة، قال: نعم- قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها. فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسنها فلان، فقال: أكسنيها ما أحسنها. قال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد.. قال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني. قال سهل فكانت كفنه. أخرجه البخاري.

(فقد) دل الحديث على جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته لما من تذكر الموت والإستعداد له (وقال) الصيرفي: لا يستحب أن يعد الإنسان لنفسه كفناً لئلا يحاسب عليه إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر أهل الخير والصُّلحاء، فأن ادخاره حينئذ حسن لحديث سهل المذكور..وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته؟ (قال) ابن بطال: وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم ليتمثلوا حلول الموت فيه (ورد) عليه المنبر بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة ولو كان مستحباً لكثر فيهم (قال) البدر العيني: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه لأن ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن ولا سيما إذا فعله قوم من العلماء الأخيار.

(وعلى هذا) فإنني أقول للأخ المسلم: إنك لا بد وأن تكون منتفعاً بكل هذا التذكير الذي لا بد وأن يكون من أسباب تذكرك للموت وما بعده.. حتى تكون بسبب هذا من أكيس الناس.. أي أعقلهم. (فعن) ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقام رجلٍ من الأنصار فقال: يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: «أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً للموت أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير بإسناد حسن، ورواه ابن ماجه مختصراً بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد، ولفظه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقاً» قال: قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياس».

ولا بد كذلك وأن يكون الأخ المسلم قد تذكر وهو يجهز الكفن الشرعي لأخيه المسلم.. أن المتوفىَّ هذا ولو كان من كبار أغنياء الدنيا.. لن يأخذه معه من حطامها.. إلا هذا الكفن الذي قد لا يساوي غير دراهم معدوات..

كما يشير أحدهم إلى قوله:

فانظر إلى من حوى بأجمعها                        هل راح منها بغير القطن والكفن

إنه حسب الأخ المسلم أن يلاحظ هذا، وأن يذكر دائماً وأبداً أنه في لحظة من اللحظات سيكون مثل هذا الذي يقوم بتكفينه.. وأنه كذلك سيخرج من هذه الدنيا إن عاجلاً وإن آجلاً وقد ترك كل شيء من حطامها وراءه. وقد ورد في الحديث: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا بن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت».

وأرجو كذلك من الأخ المسلم أن يلاحظ وهو يلبس الملابس البيضاء- تنفيذاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم- أن يعمل على أن يكون من أصحاب القلوب البيضاء.. التي لا غل فيها ولا حسد..

وذلك بالمساهمة في بنك المحبة: (وهو بنك خزائنه في القلوب، وسبائكه من نور، شيكاته ابتسامات، وعملته السهلة الصفاء، سَنداته الإخلاص، وضماناته المعروف، وهو يتسع لكافة المعاملات، لا تَصدمك أرقامه، ولا يفزعك تقلب أسعاره، يدوم دوام المحبة والمحبة زهرة إن زبلت يوماً عاش عطرها أبداً، لا يفرق بين الناس وفقاً لوضعهم المادي، بل إن أولاهم بثقته من عظمت تضحيته، وأوفرهم رصيداً من شفَّ قلبه حناناً، ورقت روحه سلاماً، يجمع القلوب ولا يجمع الأرقام، يحصى الخير ويطرح السيئات، ولا يبالي إلا بالكلمة الطيبة.. لو تعامل الناس مع هذا البنك.. لتناسوا أحقادهم وارتفع رصيد إنسانية كل منهم إلى ما فوق الغنى، وغنى النفوس لا يقدر بمال، بل هو كنز موعود لأصحاب القلوب البيضاء).

والله ولي التوفيق

 

 

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.