الزموا الصلاة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
 

* عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يَكْتالَ بالمِكْيالِ الأوفى إذا صلَّى علينا أهل البيت فليقل: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ النَّبيِّ وأزواجه أمَّهات المؤمنين وذرّيَّته وأهل بيته كما صلَّيتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ). رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.

فكن أخا الإسلام: من المؤمنين الصادقين المحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. الذين يسرهم أن يكتالوا بالميال الواسع الكبير الذي لا حصر لما فيه من الجزاء.. وذلك بالصلاة والسلام على الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وأهل بيته بالصيغة الواردة في هذا النص، وهو: «اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»:

** وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بأن نصلِّي ونسلِّم عليه- بهذا النص- كما جاء في نص الوصية- فإنه من الواجب علينا كمؤمنين أن ننفذ الأمر هذا.. لأن فعل الأمر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فليقل) ينصرف إلى الوجوب ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه.. (وحسبنا) أن نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد أمرنا بالصلاة والسلام عليه بعد أن صلى عليه مع ملائكته، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]: (فهذه) الآية فيها أعظم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات، وأفضل الخلق على الإطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه رحمته المقرونة بالتعظيم، ومن الله على غير النبي مطلق الرحمة، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الأحزاب: 43] فانظر الفرق بين الصلاتين والفضل بين المقامين.

(والمراد) من الملائكة في الآية الأولى: أي جميعهم.. والصلاة من الملائكة الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بما يليق به وهو الرحمة المقرونة بالتعظيم، وحينئذٍ فقد وَسِعَتْ رحمته كل شيء تبعاً لرحمة الله فصار بذلك مهبط الرحمات ومنبع التجليات (وقوله) سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] أي: ادعوا له بما يليق به.

(وحكمة) صلاة الملائكة والمؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم تشريفهم بذلك حيث اقتدوا بالله في مطلق الصلاة، وإظهار تعظيمه صلى الله عليه وسلم، ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لهم، وحق على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه، فصلاة جميع الخلق عليه لبعض ما يجب عليهم من حقوقه.

* (إن) قلت إن صلاتهم طلب من الله أن يُصلَّي عليه، وهو مصل عليه مطلقاً طلبوا أولاً؟ أجيب بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم طلبوا من القادر المالك أن يكافئه، (ولا شك) أن الصلاة الواصلة للنبي صلى الله عليه وسلم من الله زادت على نبيه فهي دائمة بدوام الله تعالى.

(وقوله)، ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾: إن قلت خص السلام بالمؤمنين دون الله والملائكة؟ أجيب بأن هذه الآية لما ذُكِرَتْ عقب ذكر ما يؤذي النبي، والأذية إنما تكون من البشر، فناسب التخصيص بهم لأن في السلام سلامة من الآفات، وأكَّد السلام دون الصلاة، لأنها لما أسندت لله وملائكته: كانت غنية عن التأكيد..

** (ثم) بعد ذلك يقول في حاشية الصاوي على الجلالين ج3 ص220.

(وأعلم) أن العلماء اتفقوا على وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.

** (ثم) اختلفوا في تعيين الواجب: (فعند) مالك: تجب الصلاة والسلام في العمر مرة.

(وعند) الشافعي: تجب في التشهد الأخير في كل فرض.

(وعند) غيرهما: تجب في كل مجلس مرة.

(وقيل): تجب عند ذكره صلوات الله وسلامه عليه.

(وقيل): يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.

** (وبالجملة): فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمرها عظيم وفضلها جسيم، وهي من أفضل الطاعات وأجلِّ القربات..

(حتى) قال بعض العارفين أنها توصل إلى الله تعالى من غير شيخ، لأن الشيخ والسند فيها صاحبها لأنها تعرض عليه ويصلي على المصلى بخلاف غيرها من الأذكار، فلا بد فيها من الشيخ العارف وإلا دخلها الشيطان ولم ينتفع صاحبها بها.

* (ولله) در من قال:

إن شئت من بعد الضلالة تهتدي                     صلِّ على الهادي البشير محمد

يا فوز مَنْ صَلَّى عليه فإنهُ                            يحوى الأماني بالنعيم السرمدي

يا قومنا صلوا عليه فتظفروا                          بالبشر والعيش الهنىِّ الأرغد

صلوا عليه وارفعوا أصواتكم                         يغفر لكم في يومكم قبل الغد

ويخصكم رب الأنام بفضله                          بأفاضل الجنات يوم الموعد

صلَّى عليه الله جل جلاله                          ما لاح في الآفاق نجم الفرقد

** ومن أجمل الأخبار التي قرأتها في فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:

* (أن) امرأة كان لها ولد مسرف على نفسه، وكانت تأمره بالخير وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، والقضاء والقدر غالب فيه، فمات وهو مصر على ما كان عليه..

(فخزنت) عليه أمه حزناً شديداً، وظنت أنه مات على غير الملة- والعياذ بالله- فتمنت أنها تراه في النوم (فرأته) يعذب، فازدادت عليه حزنا.. (فلما) كان بعد مدة رأته وهو على هيئة حسنة وهو فرح مسرور.. (فسألته) عن حاله وقالت: يا ولدي: إني رأيتك تعذب، فَبِم نلت هذا الخير؟ فقال: يا أماه اجتاز رجل مسرف على نفسه بالقبر الذي أنا فيه، فنظر إلى القبور وتفكر في البعث والنشور واعتبر بالموت.. فبكى على زلته وندم على خطيئته، وتاب إلى الله تعالى، وعقد التوبة معه أن لا يعود..- أي إلى الذنب مرة أخرى- ففرحت لتوبته ملائكة السماء.. (ثم) إنه لمَّا تاب وعلم الله صدق نيته تاب عليه.. (فقرأ) شيئاً من القرآن وصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات وأهدي ثوابها لأهل التربة التي أنا فيها.. فقسم ثوابها علينا، فنابنى من ذلك جزء، فغفر الله لي، وحصل لي من الخير ما ترَين..

(فاعلمي) يا أماه.. أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نور في القلوب، وتكفير للذنوب، ورحمة للأحياء والأموات.

** (وقد) قيل في بعض الروايات: أن للمصلين على سيد المرسلين عشر كرامات:

* (إحداهن): صلاة الملك الغفار.

* (الثانية): شفاعة النبي المختار.

* (الثالثة): الاقتداء بالملائكة الأبرار.

* (الرابعة): مخالفة المنافقين والكفار.

* (الخامسة): محوا الخطايا والأوزار.

* (السادسة): قضاء الحوائج والأوطار.

* (السابعة): تنوير الظواهر والأسرار.

* (الثامنة): النجاة من النار.

* (التاسعة): دخول دار القرار.

* (العاشرة): سلام الملك الغفار.

** (ولا سيما) إذا كانت الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم- بتلك الصيغة  التي ندور حولها أو بأية صيغة أخرى بعدها- في يوم الجمعة:

* (فعن) أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل يومكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: «أن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رَدَّ الله روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(وحسب) الأخ المسلم حتى يكون حريصاً على الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذاً لأمر الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].

و (أن يقرأ معي) كذلك هذين الحديثين الشريفين:

* (عن) أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صلَّى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً» رواه مسلم وأبو دواد والترمذي

* (وعن) ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: «أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

** فاللهم صلِّ على من انتخبته من أشرف قبيلة، وجعلته إليك أكبر وسيلة، وجعلت الصلاة عليه أكرم فضيلة، وأعليته إلى المرتبة الجلية، وجعلته بينك وبين عبادك وسيلة.

(اللهم) صلِّ عليه صلاة تجعلها بيننا وبين عذابك حجابا، وتجعلها لنا إلى كرامتك مثابا، وتفتح لنا بها إلى الجنة العالية بابا.

(اللهم) صلِّ على محمد عدد قطر الأمطار، وعدد رمال الأودية والقفار، وعدد ورق الأشجار، وعدد زبد البحار، وعدد مياه الأنهار، وعدد مثاقيل الجبال والأحجار، وعدد أهل الجنة والنار، وعدد الأبرار والفجار، وعدد ما يختلج في الليل والنهار، واجعل اللهم صلاتنا عليه حجابا من عذاب دار البوار، وسبباًً لإباحة دار القرار.

(اللهم)صلِّ على محمد النبي المختار، وسيد الأبرار، وزين المرسلين الأخيار، وأكرم من أظلم عليه الليل وأشرف عليه النهار، أبي القاسم النبي الصادق المختار.

(اللهم) صلِّ عليه عدد من صلى عليه، وعدد من لم يصلِّ عليه، كما أمرت بالصلاة عليه، وصل عليه كما تحب أن يصلى عليه، وصل عليه كما ينبغي أن يصلى عليه.

(اللهم) صلِّ على النبي الصادق الأواب، وعلى ذريته وعلى جميع القرابة والأصحاب، وتوفنا اللهم على سنته، واجعلنا من أهل ولايته، وأنفعنا بهدايته وعنايته، وأدخلنا الجنة مع صحابته الأبرار الطيبين الأخيار، آمين يا أرحم الراحمين:

يا رب صلِّ على النبي الهادي                       والآل والأصحاب والأحفاد

أزكي صلاة معْ سلامٍ عاطرٍ                        ينمو به يوم الحصاد حصادى

واجزه اللهم عنا وعن جميع المسلمين والمسلمات إلى يوم الدين.. خير ما جازيت نبينا عن أمته..

اللهم آمين

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.