صلاة الضحى من آكد السنن
 

* عن عبد الله بن عمرو قال: بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّةً فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدَّثَ النَّاسُ بقربِ مغْزَاهم، وكثرةِ غنيمتهم، وسرعة رجعتهم، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (ألا أدُّلكم على أقرب منهم مَغْزىً، وأكثرَ غنيمةً، وأوشكَ رَجعة؟ مَنْ توضَّأ ثمَّ غدا إلى المسجد لِسُبْحَةِ الضُّحى، فهو أقربُ مَغْزىً، وأكثرُ غنيمةً، وأوشكُ رجعةً). رواه أحمد والطبراني، وروى أبو يعلى نحوه

فكن أخا الإسلام: من الحريصين على الفوز بهذا الخير المشار إليه في نص الوصية- عن الطريق: صلاة الضحى: التي هي من أعظم القُربات إلى الله تبارك وتعالى.. (وذلك) لأنها تُسقِط عن الإنسان ما عليه من الصدقات اللازمة في كل يوم.

* (فعن) بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في الإنسان ستون وثلاثمائة مَفْصِل عليه أن يتصدق عن كل مَفصِل منها صدقة» قالوا: فمن الذي يُطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: «النُّخامة في المسجد يدفنها، أو الشيء ينَّحيه عن الطريق، فإن لم يقدر فركعتا الضحى تُجزئ عنه». رواه أحمد وأبو داود.

* (وعن) أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُصبح على كُلِّ سُلامي من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحه صدقةٌ، وكل تحميدة صدقةٌ، وكل تهليلة صدقةٌ، وكل تكبيرة صدقةٌ، وأمر بالمعروف صدقةٌ، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهُما من الضَّحى» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

** (وقد) قال الإمام الشوكاني معلقاً على هذين الحديثين الشريفين الأخيرين: (والحديثان يدلان على عِظَم فضل الضُّحى وكبر موقعها، وتأكُّد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمُداومة. ويدلان أيضاً على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النُّخامة، وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق، وسائر أنواع الطاعات لِيسقط بذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم).

** (ولهذا) فقد أوصى النبي صلوات الله وسلامه عليه بهاتين الركعتين المباركتين:

* (فعن) أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام في كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام). رواه البخاري ومسلم.

* (وعن) النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: ابن آدم لا تعجزنَّ عن أربع ركعات في أول النهار أكْفِك آخره». ورواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن نعيم الغطفاني بسند جيد. ولفظ الترمذي (عن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن) الله تبارك وتعالى: «إن الله تبارك وتعالى قال: ابن آدم اركع ركعات من أول النهار وأكْفِكَ آخره».

* (وعن) أنس رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سُبْحة الضحى ثماني ركعات، فلما انصرف قال: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنين ومنعني واحدة، سألته ألا يبتلى أمتي بالسنين ففعل، وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته ألا يلبسهم شيعاً فأبى عليَّ» رواه أحمد والنسائي والحاكم وابن خزيمة وصححاه.

* (هذا) مع ملاحظة أن صلاة الضحى هي المشار إليها في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [النور:36].

* * (والغدُو) أول النهار.. (ويبدئ) وقته.. أي: وقت الضحى: بارتفاع الشمس قدر رمح، وينتهي حين الزوال، ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس ويشتد الحر (فعن) زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قُباء وهم يصلون الضحى فقال: «صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى» رواه أحمد ومسلم والترمذي، (وهي) أي: صلاة الضحى سنة مؤكدة في حق وحق أمته.. (وقيل) هي: عبادة مستحبة فمن شاء ثوابها فليؤدها وإلا فلا تثريب عليه في تركها (فعن) أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها) رواه الترمذي وحسنه.

** (وقد) يسأل الأخ المسلم عن أهم ملاحظة لا بد وأن يقف عليها، وهي: ما هو عدد ركعات الضحى؟

* (فأجيبه) بما جاء في (فقه السنة) وهو: أن أقل ركعاتها اثنتان كما تقدم في حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأن أكثر ما ثبت من قوله: اثنتا عشرة ركعة.

* (وقد) ذهب قوم منهم- أبو جعفر الطبري وبه جزم الحليمي والروياني من الشافعية- إلى أنه لا حد لأكثرها. (قال) العراقي في شرح الترمذي: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، وكذا قال السيوطي، وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلُّونها؟ فقال: نعم.. كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعاً، ومنهم من يمد إلى نصف النهار. (وعن) إبراهيم النخعي أن رجلاً سأل الأسود بن يزيد: كَمْ أصلي الضحى؟ قال: كما شئت.. (وعن) أم هانئ (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين) . رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(وعن) عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات ويزيد ما شاء الله) رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.

*(وقد) ورد أنه من السنة أن تقرأ فيها: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ وفي الركعة الثانية سورة ﴿وَالضُّحَى﴾.

* (وأن) تقول بعدها: (اللهم بك أصاول، وبك أحاول، وبك أقاتل).

* (هذا)، وإذا كان أي أن أعلق على هذا الخير الذي وقفنا عليه من خلال كل هذه الأحاديث الشريفة- التي ترغب في صلاة الضحى.. (فإنني) أذكر الأخ المسلم بأنه من الخير له أن يواظب على صلاة الضحى.. حتى يفوز إن شاء الله تعالى بثوابها.. وحتى يكون كذلك قد أدى عن كل مَفصِل من مفاصله الثلاثمائة والستين صدقة..

والله ولي التوفيق..

 

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.