مكانة السُّنَّة من الكتاب
 

قبل أن نشرع في موضوعنا نقدم لك بين يديه فصلاً نبيّن فيه السُّنَّة من الكتاب ومنزلتها منه حتى تنجلي لك مكانة الموضوع الذي نحن بصدده فنقول وبالله توفيقنا وعليه اعتمادنا:

درجة السُّنَّة: لما كان القرآن مقطوعاً بجملته وتفصيله من جهة النقل، والسُّنَّة من هذه الجهة مظنونة في تفصيلها وإن كان مقطوعاً بجملتها، وكانت مرتبةُ المظنون دون مرتبة المقطوع به، كان ذلك آيةً، على أن السُّنَّةَ في الدرجة الثانية من الكتاب. وآيةً أخرى أن السُّنَّةَ في الدرجة الثانية من الكتاب. وآيةً أخرى أن السُّنَّة إما بيانٌ للكتاب وشرحٌ له، أو زيادة على ذلك، فإن كانت بياناً وتفسيراً، فشأن البيان أن يكون في المرتبة الثانية من المبيَّن، فإن النص الأصلي أساس، والتفسير بناء عليه، ولا قيام للبناء بدون أساس، وقد يكون الأساس ولا بناء، وإن كانت زيادة عليه فلا اعتبار بها إلا إذا خلا الكتاب منها، وذلك دليلٌ على تقدمه عليها، ويوضّح ذلك ما رواه أبو داود، والترمذي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: «بِمَ تقضي؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: فبسنّة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: برأيي.

وكتب عُمَرُ بن الخطَّاب إلى شُريح: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: إن السُّنَّة كثيراً ما تقضي على الكتاب، فتعين محتمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامّه، وتحمله على ظاهره، فالكتاب ظاهره قطع اليد من كل سارق، فخصّت السُّنَّة ذلك بسارق النِّصاب المحرز وظاهره أخذ الزَّكاة من جميع الأموال فقصرته على بعضها، وقضى قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ [سورة النساء:24] بحلّ ما وراء المحرمات المذكورات في صدر الآية، والآية قبلها فأخرجت السُّنَّة من ذلك نكاح المرأة على عمتها أو خالتها إلى غير ذلك مما يدل على تقدم السُّنَّة لم تغير المراد من نصوص الكتاب حتى تكون قاضيةً عليه بل بيّنت المراد منها فبيّنت في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [سورة المائدة:38] أن المراد بالسارق هنا سارق النِّصاب المحرز، وأن المراد بقطع اليدين قطعهما إلى الكوعين لا إلى المرفقين، فالسُّنَّة لم تثبت أحكاماً جديدة تخالف أحكام القرآن بل بيّنت المراد منه فقط بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [سورة النحل: 44].

 

  • المصدر:

كتاب تاريخ فنون الحديث: الشيخ محمد عبدالعزيز الخولي.