الحديث الحادي والأربعون.. اتباعُ شرعِ اللهِ تعالى عِمَادُ الإيمان
 

عن أبي محمَّد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمِنُ أحدكم حتَّى يكون هواه تبعاً لِمَا جِئْتُ به». حديثٌ صحيح رويناه في كتاب الحجَُّةِ بإسنادٍ صحيحٍ.

لغة الحديث:

«لا يؤمن»: لا يكمل إيمانه، أو لا يصح.

«هواه»: ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه ويرغبه طبعه.

«تبعاً»: تابعاً له بحيث يصبح اتباعه كالطبع له.

«لما جئت به»: ما أرسلني الله تعالى به من الشريعة الكاملة، بما فيها من أمر ونهي، نص عليهما الكتاب المنزل أو وجهت إليهما السنة الملهمة.

فقه الحديث وما يرشد إليه:

1- المسلم إنسان متكامل: المسلم إنسان تتكامل فيه جوانب الشخصية المثالية، فلا تعارض بين قوله وفعله، و تناقض بين سلوكه وفكره، بل هو إنسان يتوافق فيه القلب واللسان مع سائر أعضائه، كما يتناسق لديه العقل والفكر والعاطفة، وتتوازن عنده الروح والجسد، ينطق لسانه بما يعتقد، وتنعكس عقيدته على جوارحه، فتقوم سلوكه وتسدد تصرفاته، فلا تتملكه الشهوة، ولا تطغيه بدعة، ولا تهوي به متعة، منطلقه في جميع شؤونه وأحواله شرع الله تعالى الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا ما يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقد أوتي جوامع الكلم- عندما ينصب لنا العلاقة الفارقة للمسلم المؤمن فيقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به».

2- حقيقة الهوى وأنواعه: قد يطلق الهوى ويراد به الميل إلى الحقِّ خاصة، ومحبته والانقياد إليه. ومنه ما جاء في قول عائشة رضي الله عنها: ما أرى إلا يسارع في هواك، قالت ذلك لما نزل قوله تعالى:﴿تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء ﴾ [الأحزاب:51] أخرجه البخاري. وقول عمر رضي الله عنه في قصة المشاورة في أسارى بدر: فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. وقد يطلق ويراد به الميل والمحبة مطلقاً، فيشمل الميل إلى الحق وغيره، وهذا المعنى هو المراد في الحديث. وقد يطلق ويراد به مجرد إشباع شهوات النفس وتحقيق رغباتها، وهذا المعنى هو المراد عند إطلاق كلمة الهوى، وهو الأكثر في الاستعمال، وهو المعنى الذي تضافرت نصوص الشرع على ذمه والتحذير منه والتنفير عنه، إذ الغالب فيه أن يكون ميلاً إلى خلاف الحق، وتحقيق مشتهيات الطبع دون مقتضيات الشرع، فيكون سبيل  الضلال والشقاء. قال الله تعالى مخاطباً داود عليه السلام: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص:26]. 

3- اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق: فمن استرسل في شهواته، وأعطى نفسه هواها، جرته إلى المعاصي والآثام، وأوقعته في مخالفة شرع الله عز وجل، وفي الحقيقة: ما انحرف المنحرفون، وما ابتدع المبتدعون، وما أعرض الكافرون الفاسقون والمارقون، عن المنهج القويم والحق المبين، لعدم وضوح الحق أو عدم اقتناعهم به- كما يزعمون- فالحق واضح أبلج، والباطل ملتبس لجلج، وإنما بدافع الهوى المتبع، قال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ [القصص:50].              

4- الهوى المتبع إله يعبد من دون الله عز وجل: إن العبادة هي الانقياد والخضوع، فمن انقاد لهواه وخضع لشهواته فقد أصبح عبداً لها. وإن الهوى والشهوات لا تزال بالإنسان حتى تتمكن منه وتسيطر عليه، فلا يصدر في تصرفاته إلا عنها، ولا يأتمر إلا بأمرها، وإن خالف فكره وعقله، وناقض معرفته وعلمه. وهكذا تجد عبدة الهوى يغمضون أعينهم عن رؤية الحق، ويصمون آذانهم عن سماعه، فلا يعرفون استقامة ولا يهتدون سبيلاً. قال ابن عباس رضي الله عنه: الهوى إله يعبد في الأرض، تلا: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان:43] وقال عليه الصلاة والسلام: «ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله تعالى من هوى متبع». أعظم: أي أكثر إثماً لأنه أوسع شراً.

5- اتباع الهوى ضعف لا يليق بالإنسان المكرم: إن الله تبارك وتعالى قد منح هذا الإنسان ما ميزه عن الكائنات وجعله مخلوقاً مكرماً: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء:70] وهذه المنحة التي كانت عنوان التكريم هي العقل الذي يبصره بالخير ويغريه بفعله ويدرك به الشر الذي ينفره من اقترابه قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا7/91فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس:8-9] والنفس البشرية قابلة للخير والشر ومزودة بدوافع الفجور وبواعث التقوى، والإنسان بما منح من القوة العاقلة وما أعطي من الاختيار والقدرة بمَلْكِه أن يخالف هواه ويسيطر على نوازع الشر ويكبتها، ويجاهد نفسه ويحملها على السمو في درجات الخير والتقوى فيبوئها المرتبة اللائقة بها من التكريم والتفضيل، فإن هو فعل ذلك كان سلوكه عنوان قوته العقلية وبشريته المثالية وإنسانيته المتكاملة، وإن هو انهزم أمام نوازع الشر واستسلم لهواه وانحدر في دركات الرذيلة فقد انحط بإنسانيته، وأسَفَّ بكرامته، فكان هذا عنوان حماقته وضعفه، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا9/91وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس:9-10] وقال عليه الصلاة والسلام: «المجاهدُ من جاهدَ نفسه، والعاجزُ من اتبعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني». وقال: «بئس العبدُ عبدٌ هوى يُضله، وبئس العبدُ عبدٌ طمعٌ يقودُه».وأما مجتهدة النفس والتمرد على الهوى فهي نتيجة المعرفة الحقة بالله عز وجل، واستشعار عظمته، وإدراك نعمته. ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى ينسلخ كلياً من عبودية الهوى إلى العبودية الخالصة لله عز وجل، ويكتمل فيه الإيمان، ويثبت لديه اليقين، ويكون من الفائزين بسعادة الدارين، قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى 40/79فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40-41].

6- اتباع الهوى خسران وضلال ومجاهدة النفس سعادة ونجاة: إن اتباع الهوى والانغماس في الشهوات والسعي وراء الحظوظ والملذات، دون اكتراث بحلال أو حرام، عبودية لغير الله عز وجل، وهذا ظلم وطغيان، لما فيه من انشغال بالنعمة عن المنعم، وجهل وضلال، لما فيه من إيثار للفاني على الباقي، وهو مسلك عاقبته الهلاك والخسران، لما ينطوي عليه من الكبر والاستعلاء، وما ينتج عنه من تعد واستعباد: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى37/79وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا38/79فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:37-39].

7- مراتب الإيمان: إذا نطق المسلم بالشهادتين بلسانه، وأذعن في نفسه لشرع الله عز وجل، وعقد العزم في قلبه على التزام أوامره واجتناب نواهيه، فقد تحقق لديه أصل الإيمان، وحصل له أقل مراتبه، وانتقل من فصيلة الكافرين إلى زمرة المؤمنين، ورحبت له النجاة عند الله عز وجل يوم القيامة: «من قال لا إله إلا الله مؤمناً بها قلبه دخل الجنة» رواه البخاري وغيره.

وأما من ترك أحكام شرع الله عز وجل، معرضاً عنها، راغباً في غيرها، غير مذعن لها إذعان الصادقين، ولا معتقد بها اعتقاد المخلصين، لم يثبت له أصل الإيمان، ولم يصح منه إسلام، بل هو في عداد الكافرين، الخالدين يوم القيامة في جهنم وبئس المصير.

8- محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم: حتى يتحقق لدى المسلم أصل الإيمان، ويسير في طريق بلوغ كماله، لا بد من أن يحب ما أحبه الله تعالى، محبة تحمله على الإتيان بما وجب عليه منه وما ندب إلى فعله، وأن يكره ما كرهه الله تعالى، كراهة تحمله على الكف عما حرم عليه منه وما ندب إلى تركه، وهذه المحبة لما أحبه الله تعالى والكراهة لما كرهه، لا تتحققان إلا إذا أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حباً يفوق حبه لكل شيء، بحيث يضحي في سبيلهما بكل شيء، ويقدمهما على كل شيء، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:24] وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين» فلا يكون مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة المرسل ولازمة لها، فلا توجد محبته صلى الله عليه وسلم إلا إذا توفرت محبة الله عز وجل، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة:24].

9- عنوان المحبة الموافقة والاتباع: المحبة الصحيحة تقتضي متابعة المحب لمن أحب، وموافقته فيما يحب ويكره، قولاً وفعلاً واعتقاداً، فمن أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم محبة صادقة أورثته تلك المحبة- كما علمنا- حباً لما يحبانه وكرهاً لما يكرهانه، ومن لوازم ذلك أن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب وذاك البغض، فيقف عند حدود شرع الله عز وجل، يمتثل أمره ويجتنب نهيه على أتم وجه، ليكون ذلك برهان المحبة ودليل الإيمان. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ...﴾ [آل عمران:31] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنا نحب ربنا حباً شديداً، فأحب الله أن يجعل لحبه علماً، فأنزل هذه الآية. قال بعضهم: كل من ادعى محبة الله تعالى، ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله فهو مغرور.

وبهذا يتضح لك تناقض موقف أولئك الناس الذين يهيمون وجداً عند ذكر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وتذرف عيونهم دموعاً، وتنخفض رؤوسهم خشوعاً، ويعلنون دعواهم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عريضة، وهم على معصية لله عز وجل، من تعامل بالربا، وغش واحتكار، وجشع وطمع، ومن سفور واختلاط، وترك لآداب شرع الله تعالى المحكم، نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية إلى أقوم سبيل.

10- حلاوة الإيمان: للإيمان أثر في النفوس، وطعم في القلوب، أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب البارد على الظمأ، وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق. وهذه المحبة وذاك الطيب، لا يشعر بهما ولا يجد لذتهما إلا من استكمل إيمانه، وصدقت محبته لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأثمرت في جوانب نفسه، فأصبح لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله. روى البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر- بعد أن أنقذه الله منه- كما يكره أن يلقى في النار». حلاوة الإيمان: معناها اللذة في الطاعة. قال النووي: هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام.

11- الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه: من لوازم الإيمان أن يحتكم المسلم إلى شرع الله عز وجل في خصوماته وقضاياه، ولا يعدل عنه إلى سواه، ويرضى بحكم الله تعالى الثابت في الأدلة الشرعية المعتبرة، من كتاب وسنة وما استنبط منهما وتفرع عنهما، مطمئناً لذلك الحكم ومستسلماً له، سواء أكان له أم عليه، يوافق هواه أم يخالف رغبته. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:36] وقال سبحانه: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65]وتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته يكون بالاحتكام إلى شريعته وسنته.

12- حب ما كره الله تعالى وكره ما أحبه كفر وضلال: علمنا أن أصل الإيمان لا يتحقق إلا بحب ما أحب الله تعالى وكره ما كره، وأن كمال الإيمان لا يكون إلا بالعمل بمقتضى ذلك فمن لم توجد لديه تلك المحبة فقد الإيمان أصلاً، ومن عكس الأمر: فأحب ما كره الله تعالى وكره ما أحب، فقد ازداد كفراً وضلالاً، وعتواً وعناداً، وكان أشد الناس خسراناً في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ8/47ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:8-9]تعساً: هلاكاً وخيبة. فأحبط: أبطل وأذهب.

13- النموذج المثالي: لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج المثالي في صدق محبتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحبهم ما يرضيهما وبغضهم ما يسخطهما، وتقديم محبتهما على كل شيء، وتكييف أهوائهم تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بذلوا في سبيل ذلك نفوسهم وأرواحهم وأموالهم، وقاتلوا عليه آباءهم، وهجروا أزواجهم وعشيرتهم وأوطانهم، لأنهم كانوا أعرف بحقه وأدرك لفضله. وانظر إلى موقف عمر رضي الله عنه إذ يقول: لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك» فسكت ساعة- أي فترة قصيرة من الزمن- أدرك فيها أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم آكد من كل حق، ومقدم على كل الخلق، حتى النفس التي وجب بذلها في سبيلها، لأنه هو الذي استنقذها من النار، فقال: فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي، فقال: «الآن يا عمر» رواه البخاري. أي الآن تم إيمانك. وبهذا استحق هذا الرعيل الأول من ركب الإيمان الثناء الخالد من عز وجل إذ يقول: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:100].

14- أفاد الحديث:

1- أنه يجب على المسلم أن يعرض عمله على الكتاب والسنة، ويسعى لأن يكون موافقاً لهما.

2- من صدق شرع الله تعالى بقلبه وأقر بلسانه وخالف بفعله فهو فاسق، ومن وافق بفعله وخالف في اعتقاده وفكره فهو منافق، ومن لبس لكل موقف لبوسه فهو زنديق مارق.

3- من لوازم الإيمان نصرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدفاع عن شريعته.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الوافي في شرح الأربعين النووية: د. مصطفى البغا / محي الدين مستو.

- الرياض الندية في شرح الأربعين النووية: الإمام ابن دقيق العيد / العثيمين / الإمام النووي.

- الجواهر اللؤلؤية في شرح الأربعين النووية: محمد عبدالله الجرداني.

- شرح الأربعين النووية: الإمام النووي.