الإشارة بالسلاح لا تجوز أبداً
 

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يُشيرُ أحدُكم إلى أخيه بالسِّلاح، فإنَّه لا يدري لعلَّ الشَّطانَ ينزعُ في يده، فيقعَ في حُفرةٍ منَ النَّارِ» رواه البخاري ومسلم.

وعنه رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى ينتهيَ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ» رواه مسلم.

فكن أخا الإسلام

من المؤمنين الفُطناء الذين لن يستطيعَ الشيطان أن يلعب بهم.. وأن يجعلهم كالآلة الحادة في يده..يوجَّهها كسلا ح إلى من يشاء من عباد الله.. لكي يكون هذا سبباً في وقوع البعيد الذي ضحك عليه، أو لعب به.. داخل حفرة من النار..

(وهذا) المضمون هو المشار إليه في نص الوصية..(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى ينتهيَ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ» رواه مسلم.

(فمعنى): «لا يشير أحدكم»: هذا خبر في المعنى النهي «فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزع في يده» أي: فيصيب السلاح أخاه..و:«من أشار إلى أخيه بحديدة» أي: بقطعة أو بعضاً من الحديد على جهة التهديد..«فإن الملائكة تلعنه» أي: تدعو عليه باللَّعنة لترويعه المسلم..«حتى ينتهي» أي: حتى يكفَّ عن ذلك..«وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه» أي: وإن كان شقيقاً له فلا يجوز له أن يروِّعَه..

(وعن) عبد الله بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلمٍ أن يروِّع مسلماً» رواه أبو داود.

(فمعنى): ففزع، أي: قام من نومه مرتاعاً، «يروع مسلماً»، أي: يُخيفه ويفزِعُه (وقوله): «لا يحل»: يفيد أنه حرام، فإن نفى الحل مستلزم للحرمة.

(وعن) ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر».رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

(ففي) الحديث الأول الذي هو نص الوصية التي ندور حولها.. بالإضافة إلى الأحاديث المشروحة مفرداتها ومعاني كلماتها بعد هذا..ينهي ويحذِّر من كل فعل يروِّع المسلم، فضلاً عن سباب المؤمن الذي قال عنه أنه فسوق، وعن قتاله الذي قال عنه أنه كفر..

(وهذا) معناه أن النهي هذا، أو التحذير هذا..(يجب) أن يُنفَّذ تنفيذاً إيجابياً.. (بمعنى) أن يتجنَّب المسلم كل ما يروِّع أخاه المسلم، (وأن) يجتنب سباب المؤمن حتى لا يكون فاسقاً، وقتاله حتى لا يكون كافراً والعياذ بالله.

(مع) ملاحظة أن الشيطان الرجيم سيكون وراء كل تلك الأسّباب التي لا عائد من ورائها إلّا الضياع والخسران..في الدنيا والآخرة..(لأنه) كما يقول الله تعالى عنه في قرآنه: ﴿يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً﴾ [البقرة:268].

(وهو) أيضاً في نفس الوقت لا سلطان له على عباد الله المؤمنين..(ولهذا) فإنه ينبغي على الأخ المؤمن أن يتسلَّح ضده- دائماً وأبداً- بذكر الله تعالى الذي يقول: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:36]، أي: ومن يغفل عن ذكر الرحمن..نجعل الشيطان قريناً له وملازماً له في غدوه ورواحه..وفي كل تصرفاته..(وقد) ورد في رؤيا رآها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في منامه أنه قال: «ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله فطَّير الشياطين عنه».

(ومن) أجل هذا، فإنه ينبغي على الأخ المسلم أن ينفِّذ وصية الرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يحدث بينه وبين أخيه المسلم ما حدث بين قابيل وأخيه هابيل بسبب الحقد والحسد اللَّذَين كانا بسبب الأخت الجميلة- وهي التي وُلدِت مع قابيل في بطن واحدة- والتي كان مقرراً أن يتزوَّجها هابيل بأمر من الله تبارك- على أن تتزوج أختُه التي ولدت معه أخاه قابيل..(لأن الله) تبارك وتعالى كان قد أمر أبانا آدم بأن يزوج أبناءه بصورة عكسية..حتى يكون هناك النسل المتكاثر الذي يُعمِّر الكون تحقيقاً للخلافة المشار إليها في قول الله تبارك وتعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.

(ولكن) قابيل اعترض على هذا الأمر وقال لأبيه هذا الرأي من عندك وليس من عند الله..لأنك تحب أخي أكثر..ولهذا فإنك تريد أن تزوجه بأختي الجميلة..

(فرفع) أبونا آدم الأمر إلى الله تعالى- وهو أعلم- لكي يهديه إلى الحل..فقال الله تعالى له: مرهما بأن يقدما قرباناً لله..والذي سيُقبل قربانه..هو الذي سيكون زوجاً للفتاة الجميلة..

- وكانت علامة قبول القربان أن تنزل نار من السماء لتحرقه أو تختطفه- فذهب قابيل ثم عاد بحزمة قمح من أردأ الحزم وقدمها قرباناً لله- لأنه كان فلَّاحاً- وذهب هابيل ثم عاد بكبش  عظيم وقدمه قرباناً لله- لأنه كان راعياً للغنم- فنزلت نار من السماء فاختطفت كبش هابيل- الذي قيل أنه ظل في رياض الجنة حتى افتدى الله به إسماعيل عليه السلام- فقال له أخوه قابيل: ﴿لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ27/5لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ28/5إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة:27-29].

ثم بعد ذلك يقول سبحانه ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة:30] أي: فزينت له نفسه قتل﴿فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وكان قد جلس يُفكِّر في كيفية تنفيذ ما توعد به أخاه هابيل..فجاءه أستاذه إبليس وأراه كيف ينفذ جريمته..فأحضر طائراً..ثم وضع رأس الطائر فوق حجر..ثم حطَّم رأس الطائر بحجر آخر..

(ففعل) بأخيه مثل ما فعل اللَّعين بالطائر..وكان هابيل نائما وقد توسَّد حجراً..فذهب القاتل الأول- قابيل-ثم عاد بحجر آخر فحطَّم رأس أخيه به..(ثم) وضعه بعد ذلك في جراب ثم حمله فوق عاتقه وسار به بعيداً..وهو لا يدري ماذا يفعل به بعد هذا..إلى أن فاحت رائحة هذا الجسد..فكان لا بد وأن يُوارَي تحت التراب..لكي يتم هذا..أراد الله تعالى أن يجعل القاتل الأول هذا تلميذاً للغراب الذي علمه كيف يواري سواة أخيه. كما يشير الله تعالى إلى هذا في قوله:﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة:31] وكان الغربان قد اقتتلا إلى أن تغلب أحدهما على الآخر فقتله..ثم حفر الغراب القاتل للغراب المقتول حفرة ثم واراه تحتها بأظافره..فلما رأى هذا: ﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾.

(ثم) بعد ذلك يقول سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة:32].

ثم بعد ذلك يقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة:33].

(فهذا) درس قرآني لا بد وأن ننتفع به حتى لا نكون على شاكلة قابيل..الذي سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة..

(ولنكن) جميعاً كمسلمين صادقين من المنفذين لما جاء في هذا الحديث الشريف الذي رواه مسلم:

(عن) أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا بيع بعضكم على يبيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ها هنا- ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ- بحسب امرئٍ من الشر أن يحفر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

(ففي) هذا الحديث الصحيح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن) التَّحاسد المذموم وهو تمني زوال نعمة الغير ليحصل عليها الحاسد لنفسه. وقد أمرنا الله تعالى في قرآنه بأن نستعيذ من شر هذا الحسد المذموم فقال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ1/113مِن شَرِّ مَا خَلَقَ2/113وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ3/113وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ4/113وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق:1-5] (كما) نهى (عن) التناجش، وهو أن يزيد المتناجش في ثمن سلعة ليغر غيره، وهو حرام لأنه غش وخديعة (كما) نهى(عن) التباغض، وهو عكس الحب لله الذي لن يكمل الإيمان إلا به، (كما) نهى (عن) التَّدابر، وهو أن يهجر أخاه، وإن رآه أعطاه دبره أو ظهره..

(كما) نهى (أن) يبيع الأخ على بيع أخيه..وصورته أن يبيع أخوه شيئاً، فيأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله وأحسن منه بأقل منه من ثمن ذلك..وهذا حرام..

(وكذلك) يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نكون عباد الله إخواناً متحابين لله وفي الله..حتى تتحقق الأخوة الإسلامية المشار إليها بعد ذلك في قوله: «المسلم أخو المسلم»، وهذا يتطلب (أن) لا يظلم المسلم أخاه المسلم بمعنى أن يأكل أمواله بالباطل، أو يعتدي على حقوقه، (ولا) يكذبه، بمعنى أن يكون مصدقاً له عند الاستشهاد به في موقف يتطلب شهادته (ولا) يخذله، بمعنى أن ينصره ويعينه عنه الأذى ما استطاع (ولا يحقره)، بمعنى أن لا يحكم على نفسه بأنه خير من غيره..وقد يكون العكس هو الصحيح. لأن الله تعالى يقول: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ [الحجرات:11]، (ثم) بعد ذلك يقول صلوات الله وسلامه عليه: «بحسب امرئ من الشر» أي يكفيه من الشر «أن يحقر أخاه» يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب.

(ثم) بعد ذلك يقول صلوات الله وسلامه عليه «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» إشارة إلى ما قاله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»، (وقد) استدل الكرابسى بهذا الحديث على أن الغيبة والوقوع في عرض المسلمين كبيرة إما لدلالة الاقتران بالدم والمال، وإما للتشبيه بقوله: كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.. (وقد) توعَّد الله تعالى بالعذاب الأليم عليه، فقال تعالى ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25] (فعلى) الأخ المسلم أن يلاحظ كل هذا..الذي ذكَّرته به..من خلال التعليق على نص الوصية..(لأنه) يعتبر أساساًً في الترويع الذي قد يكون مثلاً سببا في موت المسلم المروَّع بالسكتة القلبية أو بالخوف الشديد الذي قد يكون موتاً بطيئاً بالنسبة له.. (مع) ملاحظة أن الأمن والأمان- في هذه الحياة الأولى- هما أهم شيء ينشده الإنسان في هذه الحياة حتى يكون آمناً في سربه.. بالإضافة إلى قوت يومه..

ويوم أن يتحقق له هذا.. فإنه سيكون من أسعد الناس الذين أطعمهم الله تعالى ﴿مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [قريش:4]

والله المستعان على تحقيق هذا الأمان الذي هو روح الحياة.

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.