صيانة البصر عن المحارم صيانة النفس عن الحرام
 

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في الثَّوب الواحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثًّواب الواحد» أخرجه أحمد وسلم وأبو داود والترمذي وحسنه.

فكن أخا الإسلام وأنت أيَّتها الأخت المسلمة:

من المنتفعين بهذه الوصية العظيمة التي ينبغي عليكما أن تدرساها دراسة مستفيضة..حتى لا ينظر أحدكم إلى عورة الآخر بتلك النظرة أو بتلك النظرات التي كانت ولا تزال أساساً في جميع الحوادث الأخلاقية..كما يشير أحدهم إلى هذا في قوله:

كُلُّ الحوادث مبداها من النظر               ومُعظم النار من مُستَصْغَر الشَّرر

(ولهذا) فقد أمر الله تعالى حبيبه المصطفى صلوات الله سلامه عليه في سورة النور، بأن يأمر المؤمنين والمؤمنات بأن يغضوا من أبصارهم وأبصارهن.. فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [سورة النور:30] أي: قل بالله يكفُّوا عن النظر إلى ما يشتهون مما نُهوا عن النظر إليه ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أي أن يراها من لا يحل له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن الأبصارهم قال ابن جرير: هذا مستلزم لحفظ الفروج من الزنى، لأن من سترها عن النظر عما هو أبعد منه، وقد رجح القرطبي أن المراد بالآية ستر الفروج عن الأبصار وحفظها من الزنى لعموم اللفظ- ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أي: أن الغض والحفظ أطهر لهم عند الله وأفضل ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ أي: إن الله مُطَّلع على ما تصنعون من غضِّ البصر ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ أي: وقل للمؤمنات من أمتك، ويغضضن من أبصارهنَّ عما يكره الله النظر إليه ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أي: عن أن يراها من لا يحل له رؤيتها، بلبس ما يسترها ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أي: ولا يظهرن زينتهن للناس، الذين ليسوا لهن بحرم ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ لأي: إلا الوجه والكفين ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ أي: وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن، وأعناقهن ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أي: ولا يُظهرن الزينة الخفيّة غير الظاهرة ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ أي: إلا لأزواجهن ﴿أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ﴾ أي: أو لأحد من هؤلاء المذكورين  ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أي: أو نساء المسلمين ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ أي: من الإماء المشركات ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ أي: أو الذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم، ممن لا حاجة له من النساء ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء﴾ أي: أو الطفل الذين لم يكشفوا عن عورات النساء لصغرهن ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ أي: ولا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين، أو حركتهن علم الناس ما يخفين من ذلك ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ﴾ أي: وارجعوا أيُّها  المؤمنون إلى طاعة الله، فيما لأمركم ونهاكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي: لتفلحوا وتدركوا طلباتكم لديه، بطاعتكم لأوامره ونواهيه.

(ولهذا) فإنني أرى أن أقف مع الأخ المسلم والأخت المسلمة- بعد أن وقفت معهما على تفسير الآيتين من سورة النور- على المعنى المراد من الوصية التي تدور حولها، بالإضافة إلى رواية أخرى:

(فعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في الثَّوب الواحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثًّواب الواحد» أخرجه أحمد وسلم وأبو داود والترمذي وحسنه.

(وعن) بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلَّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال:«إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها».

قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: «فالله أحق أن يُستحيا منه» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.

(فمفهوم) الحديث الثاني، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «إلَّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» يدل على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر إلى عورة نفسه وعورتيهما، ويدل أيضاً على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى، ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، (وفي) الحديث دليل على أنه لا يجوز التَّعري في الخلاء مطلقاً، وقد استدل البخاري على جوازه في الغُسل (بحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن موسى كان رجلاً حييّاً ستِّيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التَّستر إلا من عيب بجلده: إما برصُ، وأما أدرة، وإما آفة، وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عَدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه فطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل. فرأوه عرياناً أحسن مما خلق الله تعالى، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه»..

(الحديث) أخرجه البخاري والترمذي، (وبحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أيُّوب يغتسل عرياناً فخرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل يحثى في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عمَّا ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى لي عن بركتك» ..أخرجه البخاري. قال ابن بطال: دل على جواز الاغتسال عُرْيَاناً، لأن الله تعالى عاتب عليه السلام على جمع الجراد، ولم يعاتب على الاغتسال عرياناً.

(هذا) وإذا كان لي أن أعلِّق على كل هذا، فإنني أُريد أن أذكِّر الأخ المسلم والأخت المسلمة.. بأن الخير كل الخير. في حفظ الفروج..عن طريق غضِّ الأبصار كما علمنا- في تفسير الآيتين من سورة النور- (وذلك) لأن النظرة الخبيثة هي السبيل الميسَّر إلى ارتكاب جريمة الزنا..كما يشير الشاعر إلى هذا في قوله: (نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء).

(ولهذا)، فقد أمرنا الله تعالى- كذكور وإناث- بالغض من أبصارنا ..ومن فضله تعالى علينا.. أن جعل للعينين سترين..(فقد) ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى قال مخاطبا عبده: «وإن مما أنعمت عليك أن جعلتُ لك عينين بهما، وجعلتُ لهما غطاءً، فنظر بعينيك إلى ما أحللتُ لك، فإن عرض لك ما حرَّمتُ عليك فأطبق عليهما غطاءهما».

(وإذا)كان الله تبارك وتعالى قد قال في الآية الثانية من سورة النور: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾: فإن هذا معناه أن المرأة تشتهي كما يشتهي الرجل..بل وأكثر..(وحتى) تتضح الصورة لنا..(وحتى) نعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يغّار على نسائه..إليكما هذا الحديث الذي ورد: (عن) أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم-الأعمى-، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه»، فقلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى: لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه!» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

(إن) حديثاً كهذا..لا بد وأن يكون سبباً في انتباهنا نحن الرجال..ونحن الأزواج والآباء بصفة خاصة حتى نغار على بناتنا ونسائنا..(ومما) يؤسف له أن الغيرة الآن قد أصبحت شبه معدومة..لدرجة أن بعد الآباء أو الأزواج يصرحون لبناتهن وأزواجهن بأن يذهبن إلى ما يُسمَّى- بحلاق النساء-لكي يمِّشط شعورهنَّ ويدلك لهن وجوههن، ويقلِّم لهن أظافرهنَّ.

لكي تخرج الواحدة من كل منهن بعد ذلك شيطانة.. بتلك الصورة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليؤجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم.

(ومعنى) (كاسيات): أي من نعمة الله (عاريات) أي: من شكرها، وقيل: معناها: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها، ومعنى (مائلات): قيل: عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، و(مميلات): أي: يعلِّمن غيرهن فعلهنَّ المذموم. وقيل: مائلات يمشين متبختراتٍ، مميلات لأكتافهنَّ. وقيل: مائلات يمشطن المشطة الميلاء. وهي مشطة البغايا. ومميلات: يمشطن غيرهن تلك المشطة (رؤوسهن كأسنمة البخت): أي يكبرِّنها ويعظِّمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.

(وصدق) رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا الإخبار يعتبر معجزة له.. (لأن) هذا الذي أخبر عنه..من فعل الغانيات العاهرات في هذا الزمان المأسوف عليه، والذي نحن فيه قبل نهاية العشرين..(بل) وفي أوائل القرن الحادي والعشرين.

(هذا) بالإضافة إلى الخلوة المحرمة المشار إليها في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلّا مع ذي محرم» متفق عليه.

(وعن) عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيِّاكم والدُّخول على النساء!» فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟.قال: «الحمو الموت» متفق عليه (الحمو) قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وابن عمه.

(وأحبُّ) هنا أيضاً أن أذكر المرأة المستهترة بأنها عندما ستخرج بتلك الصورة المُشينة بعد أن تستعطر..فإنها ستكون زانية..والعياذ بالله:

(وعن) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت، فمرت بالمجلس كذا وكذا، يعني زانية» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث مسن صحيح.

(ورواه) النسائي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهم، ولفظهم: «أيَّما امرأةٍ استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكُل عين زانية» رواه الحاكم أيضاً، وقال صحيح الإسناد.

(حتى) ولو كانت في الطريق إلى المسجد من أجل الصلاة:

(فعن) موسى بن يسار رضي الله عنه قال: مرَّت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، فقال لها: أين تريدين يا أمة الجبار. قالت إلى المسجد. قال: وتطيَّيب؟ قالت: بلى؛ قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد، وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل» رواه ابن خزيمة في صحيحه. قال: باب إيجاب الغسل على المطيبة للخروج إلى المسجد، ونفي قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل، إن صحَّ الخبر.

(فعلى) المرأة أن تلاحظ هذا.. حتى تتقي الله تعالى في نفسها فتستر عوراتها..(وعليها) كذلك أن تتقي الله في زوجها..

بمعنى أن تطيعه إذا ما طلبها..فتمكنه من نفسها- اللهم إلا إذا كان هنا عذر شرعي- لا يبيح له هذا..(فعن) زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة لا تؤدِّي حق الله تعالى عليها حتى تؤِّدي حقُّ زوجها كله، ولو سألها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها» رواه الطبراني بإسناد جيد. (وعن) طلق بن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور» رواه الترمذي وقال حديث حسن، والنسائي، وابن حبان في صحيحه.

(وعلى) الأخ الزوج أن يعينها على طاعة الله..(وأن) لا يأمرها بكشف عورة من عوراتها..لأنها لو كانت مطيعة لله فإنها لن تطيعه في معصية الله..(بل) وعليه أن يكون قدوة لها في فعل كل خير وترك كل منكر.. حتى يكون زوجاً صالحاً..وحتى يبارك الله تعالى له في كل أفراد أسرته.

(مع) ملاحظتها أن الله تعالى يقول: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ34/80وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ35/80وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ36/80لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [سورة عبس:34-37].

والله المستعان على تحقيق طاعته، وتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه.

  • المصدر:

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.