مقدمة لابد منها
 
 

قال الله تعالى:- (قلْ هُوَ للذيْنَ ءامَنوا هُدَىً وَشِفَاءٌ)[فصِّلت: 44].

يقـول رب العزة جل وعلا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يزيد الظالمين إلا خسـاراً)[الإسراء : 82 ]

إن التداوي بالقرآن أمر ثابت في الشريعة , وله أدلة تُثبته من القرآن الكريم والسنة الشريفة فلا يمكن إنكاره لأنه أصبح معلوماً من الدين بالضرورة , ولا يُشفى به المرض إلا بإذن الله تبارك وتعالى , فمن أنكر ذلك فإنه يكون منكراً لأمر معلوم وثابت في القرآن والسنة الشريفة فيكون بذلك قد خرج من ملة الإسلام -والعياذ بالله-.

والقرآن هو أقوى وأعظم دواء ، به يُستشفى من كل الأمراض والأوبئة النفسية والجسدية، ولكن ليس لكل أحد ، بل لمن عَرَفَ كيفية الاستفادة منه ، وكان إيمانه راسخاً قوياً.

قال الإمام ابن القيم : (فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية , وأدواء الدنيا والآخرة , وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به فإذا أحسن العليل التداوي به , ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام , واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً. فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحماية منه , وذلك لمن رزقه الله فهماً في كتابه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله , ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله).

وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خيْرُ الدَّواء القرآن». رواه ابن ماجه فللقرآن بركة ٌ عظيمة في علاج شتى الأمراض وفق ما جاء في الشريعة الإسلامية لذلك لا يمكن تصنيفه ضمن الطب البديل وإنما يعتبر طِبَّاً مُكمِّلاً لما نعرفه من وسائل العلاج الأخرى وقد اشترط الله سبحانه وتعالى لحصول الشفاء بالتداوي بالقرآن الإيمان ، فالقرآن والدعاء فيهما شفاء من كل سوء بإذن الله ، والأدلة على ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى:( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ ) [فصِّلت: 44]. وقوله سبحانه:( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئاً قرأ في كفيه عند النوم سورة: ( قُلْ هُوَ اللّه أحد أَحَدٌ). و(المعوذتين) ثلاث مرات... ثم يمسح في كل مرة على ما استطاع من جسده فيبدأ برأسه ووجهه وصدره في كل مرة عند النوم ، كما صَحَّ الحديث بذلك عن عائشة رضي الله عنها ، وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يعالج المجتمع بالقرآن ويتلوه عليهم ويدعوهم إلى العمل به..

فالقرآن الكريم من الأدوية النفسية النافعة للمؤمنين به وبخاصة إذا انضم إليه الدواء المادي والإنسان المؤمن يشعر بالراحة والاطمئنان عند قراءة القرآن ، فهو يزيد توكله على ربِّه وثقته بنفسه ، ويجعله يشعر بقربه من ربِّه وقرب ربِّه منه، وأنه بمعونة ربِّه ومَعِيَّته يستطيع التغلب على المرض..

وعلى كل حال ، فمن الأفضل أن يضم إلى القرآن الأدوية المادية وهذا ما كان يفعله كثير من الصحابة.. فسيدنا علي رضي الله عنه كان يقول: إذا أراد أحدكم الشفاء...فليكتب آية من كتاب الله وهي: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء :82]..ثم ليغسلها بماء السماء ، إشارة إلى قوله تعالى: (ونزَّلنا من السماء ماءً مباركاً) [سورة النساء :4] وليشترِ بدرهم عسلاً، إشارة لقوله تعالى: (يَخرجُ من بُطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانهُ فيه شِفاءٌ للنّاس) [سورة النحل: 69]...ثم ليشرب هذا العسل مع الماء الذي غسل به الآية القرآنية ، فيكون بذلك قد جمع بين المعالجتين النفسية والمادية.

فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ لدغته عقرب في إصبعه ، فلما فرغ من صلاته قال: «لعن الله العقرب ، ما تدع نبياً ولا غيره ، ثم دعا بماء وملح وجعل يضع على موضع اللدغة من الماء والملح ويقرأ :(قل هو الله أحد) والمعوذتين حتى سكنت».رواه الترمذي.

يقول الدكتور محمود النسيمي عن التداوي هنا بالرقية إلى جانب الأدوية المادية: (والغاية من الرقية حينئذ هي بعث الأمل والطمأنينة في نفس المريض وتحريك إيمانه واتكاله على الله تعالى في نجاح الدواء المادي فتقوى معنوياته ويزداد أمله في بلوغ العافية ، وخاصة عندما يرقيه من يُعْتقد بصلاحه . ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي مَرَّ معنا قدوة للمؤمنين في الجمع بين الدواء المادي والروحي).

ويقول ابن القيم في هذا المعنى: (واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه قبل حصوله، وإذا وقع لم يقع وقوعاً مضرِّاً وإن كان مؤذياً).

وهذا الإمام القشيري-رحمه الله- يقول: (لقد مرض ولدي مرضاً شديداً حتى يئست من شفائه ، واشتد عليّ الأمر ، فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام في منامي ، فشكوت له ما بولدي من مرض شديد ،فقال لي: أين أنت من آيات الشفاء ؟؟ ، فانتبهت وقمت من فوري فجمعتها وقرأتها مرات على ولدي بنية الشفاء...فكان أن شفي ولدي بفضل الله تعالى).

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم