القراءات
 
 

منشأ القراءات

القراءات هي ما قد يطرأ على اللفظ من أوجه النطق والأداء كالمد والقصر والتخفيف والتثقيل وغيرها مما أقره النبي صلى الله عليه وسلم.

 وذلك أن عثمان لما كتب المصاحف وأرسل بها إلى الأمصار حمل الناس على هذه المصاحف وأمرهم بترك ما خالفها من الأحرف الأخرى التي لا تتفق معها .

فقام الناس بترك قراءة كل ما خالف خط المصحف واستمروا يقرؤون بسائرها مما لا يخالف خط المصحف وثبتت روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذه الأوجه التي استمر الصحابة والتابعون على القراءة بها , تسمى بالقراءات .

 

الحكمة من مشروعيتها

أولاً ـ التسهيل على القبائل العربية المختلفة أن تجد الوسيلة إلى قراءة القرآن قراءة صحيحة كما أنزل دون أي تحريف .

ثانياً ـ أن تقف عامة قبائل العرب على المعجزة القرآنية من الوجوه المختلفة التي يعرفونها ويمارسون لغتهم بها وأن ينتصب معنى التحدي أمامهم من هذه الوجوه كلها فعلى أي الأشكال وبأي وجوه النطق والأداء يكون معنى التحدي قائماً .

 

متى حددت القراءات بالعدد سبعة

لم تكن وجوه القراءات التي كان يقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم ويتلقاها منه أصحابه محصورة في سبع أو عشر قراءات بل ربما بلغت في مجموعها أكثر من ذلك .

وقد ظل الأمر هكذا إلى أواسط عهد التابعين يتلقى الناس القرآن بالأوجه المختلفة من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقرأ كل واحد منهم بالقراءة التي يريدها ممن تلقاها عنه بالطريق الثابت الصحيح .

وفي أواخر عهد التابعين انتبه كثير من العلماء إلى ما أخذ يتسلل إلى الناس من اضطراب السلائق ومظاهر العجمة فنهض قوم منهم بأمر القراءات يضبطونها ويحصرونها ويهتمون بأسانيدها .

وقد اشتهر منهم أئمة سبعة حازوا ثقة العلماء والقرّاء في مختلف الأمصار وإليهم تنسب القراءات السبع اليوم .

وهؤلاء القراء هم :

 ابن عامر  الشامي , توفي عام 118 هـ

ابن كثير المكي , توفي عام 120 هـ

عاصم بن أبي النجود الكوفي , توفي عام 128 هـ

نافع المدني , توفي عام 169هـ 

أبو عمرو البصري , توفي 154هـ ,

حمزة الكوفي , توفي عام 156هـ ,

ابن حمزة الكسائي الكوفي , توفي عام 189 هـ

وليس انحصار الأئمة الذين اعتُمدوا في ضبط القراءات في السبع دليلاً على أن القراءات لا تزيد على سبع قراءات بل القراءات التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه فيها الصحابة ليست محصورة في سبع ولا عشر .

ولكن سبب اشتهار هؤلاء السبعة دون غيرهم هو أن عثمان لما كتب المصاحف وأرسل بها إلى الأمصار كان عدد القراء في العصر الثاني والثالث كثيري العدد , فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا على ما وافق المصحف فنظروا إلى إمام مشهور بالأمانة وحسن الدين في كل مصر قد أجمع أهل ذلك المصر على عدالته وثقته واتخذوه إماماً في القراءة على مصحف ذلك المصر .

فكان ابن عامر من أهل الشام وابن كثير من أهل مكة وعاصم بن أبي النجود من أهل الكوفة و نافع من أهل المدينة و أبو عمرو من أهل البصرة وحمزة من أهل الكوفة و ابن حمزة الكسائي من أهل العراق .

 

الضابط العلمي في اعتماد القراءات

إن اعتماد العلماء قراءات هؤلاء الأئمة السبعة كان بناء على ضوابط علمية هي الأساس في قبولهم لها واعتمادهم إياها .

وهذه الضوابط هي :

أولاً ـ   كل قراءة صح سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثانياً ـ أن توافق خط المصحف العثماني ولو احتمالاً .

ثالثاً ـ أن توافق العربية بوجه من الوجوه المعتبرة  .

فتلك هي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها .

 

وبناء على تمسك العلماء بهذه الضوابط في قبول القراءة أو رفضها اعتمد العلماء ثلاثة آخرين من أئمة القراءة صحت قرائتهم وخضعت لهذه الضوابط وهم :

أبو جعفر المدني ويعقوب بن اسحاق الخضرمي وخلف بن هشام .

 

ولا يُظن أن كل إمام من هؤلاء الأئمة العشرة يدعوا إلى قراءته فقط دون غيرها بل كان كل واحد منهم يؤمن بثبوت سائر القراءات الأخرى ولكنه كان قد أخذ بقراءته وحدها وعكف على خدمتها .

 

الفرق بين القراءات المتواترة والشاذة

 إن أهم ما يميز القراءات العشر هو التواتر والشهرة إضافة إلى اجتماع الشروط الثلاثة فيها , فالقراءات العشر ثابتة ثبوتاً قطعياً .

 وما لم تجتمع فيه تلك الشروط الثلاثة فهي قراءة شاذة مردودة لا يقرأ بها أياً كان الإمام الذي نقلت عنه .

 

 

 

حكم القراءة الشاذة

إن القراءة التي لا تتوفر فيها الشروط الثلاثة هي قراءة شاذة مردودة , فلا يقرأ القرآن بشيء منها لا في صلاة ولا في نسك  ولا في تلاوة .

أما العمل بضمون هذه القراءة الشاذة فينظر في ذلك إلى سندها فإن توفر فيه ما يجب توفره في الحديث الآحاد من شروط الصحة اعتبرت بمثابة الحديث وجاز أخذ الأحكام منها .

وسبب ذلك أن مصدر كثير من القراءات الشاذة أن بعض الصحابة كانوا يكتبون على هامش مصاحفهم الخاصة كلمات تفسيرية لبعض الألفاظ الغامضة إذ كانوا لا يخشون من التباسها بالقرآن بسبب أن معظمهم كانوا يحفظون القرآن ويضبطونه ضبطاً تاماً . فمن ذلك تقييد عبد الله بن مسعود آية { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ }  بكلمة متتابعات , وذلك في قوله تعالى : {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(89) } المائدة

ثم جاء من بعدهم من نظر في مصاحفهم هذه ورأى هذه الكلمات التفسيرية فظن أنها من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما هي في الحقيقة ألفاظ تفسيرية .

 فمثل هذه القراءة وإن كانت شاذة من حيث اعتبار القراءة الصحيحة إلا أنها تقبل من حيث تفسير بعض ألفاظ القرآن .

 

المراجع

البرهان في علوم القرآن للزركشي

غيث النفع للصفاقسي

السبعة في القراءات لأبي بكر البغدادي

الأحرف السبعة للقرآن لأبي عمرو الداني

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم