و السماء و الطارق
 
 

قال تعالى : ( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق‏ النجم الثاقب‏)



يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ سورة الطارق بقسم عظيم يقسم به‏(‏ سبحانه‏)‏ ـ وهو الغني عن القسم ـ بكل من السماء والطارق‏,‏ ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ويحدده بالنجم الثاقب‏,‏ فيقول‏(‏ عز من قائل‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏):‏ والسماء والطارق‏*‏ وما أدراك ما الطارق‏*‏ النجم الثاقب‏*‏‏(‏الطارق‏:1‏ ـ‏3)‏
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق‏,‏ فمنهم من قال إن الوصف ينطبق علي كل نجم‏,‏ ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته‏,‏ ولا ضرورة لهذا التحديد‏,‏ بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏,‏ النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏...,‏ كما قال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله رحمة واسعة‏)..‏
ومنهم من قال إنه الثريا أو النجم الذي يقال له كوكب الصباح‏,‏ أو نجم آخر محدد بذاته‏,‏
ومنهم من قال إن الوصف ينطبق علي الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة‏,‏ كما في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏
( إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب‏‏‏ )(الصافات‏:10)‏.
وذلك علي الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والكوكب والشهاب‏.‏
ولكن‏,‏ الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا تبارك وتعالى بـ الطارق‏,‏ ووصفه بالنجم الثاقب‏,‏ فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القرآني التفخيمي‏,‏ وجاء مقرونا بالسماء علي عظم شأنها؟ خاصة أن القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به‏,‏ وإلي ضرورته لاستقامة الكون ومكوناته‏,‏ أو لاستقامة الحياة فيه‏,‏ أو لكليهما معا‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ كما سبق وأن أشرنا وكررنا لمرات عديدة‏,‏ وعندي أن معني الطارق النجم الثاقب لا ينجلي إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها‏,‏ لأن هذه قضية علمية صرفة‏,‏ وكطبيعة كل الإشارات الكونية في القرآن الكريم‏,‏ لابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها‏,‏ حيث لا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده‏.‏

المدلول اللغوي للفظة الطارق

لفظة الطارق اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشدة‏,‏ وأصل الطرق الدق‏,‏ ومنه سميت المطرقة التي يطرق بها‏,‏ وهذا هو الأصل‏,‏ ولكن استخدمت اللفظة مجازا لتدل علي الطريق أي السبيل‏,‏ لأن السابلة تطرقها بأقدامها‏,‏ ثم صارت اسما لسالك الطريق‏,‏ باعتبار أنه يطرقها بقدميه‏,‏ ولفظة الطريق تذكر وتؤنث‏,‏ وجمعها أطرقة‏,‏ وطرق‏.‏
كذلك استخدم لفظ الطريقة بمعني الوسيلة أو الحالة‏.‏
واستخدم الطرق والمطروق للإشارة إلي ماء السماء الذي تطرقه الإبل بعد سقوطه علي الأرض‏,‏ واستخدم لفظ الطارق علي سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل‏,‏ فسمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلي طرق الأبواب المغلقة‏,‏ ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل‏,‏ ثم زيد في توسيعه حتي أطلق علي الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل‏.‏
وطريقة القوم وطرائقهم أماثلهم وخيارهم‏,‏ والطرائق الفرق والطرق‏.‏
والطرق أيضا الضرب بالحصي‏,‏ وهو من الكهانة والتكهن‏,‏ والطراق هم المتكهنون‏,‏ والطوارق هن المتكهنات‏.‏

آراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب

ذكر ابن كثير قول قتادة وغيره من متقدمي المفسرين‏(‏ يرحمهم الله جميعا‏)‏ مانصه‏:‏ إنما سمي النجم طارقا‏,‏ لأنه إنما يري بالليل‏,‏ ويختفي بالنهار‏,‏ ويؤيده ما جاء بالحديث‏:(‏ إلا طارقا يطرق بخير يارحمن‏),‏ وأضاف قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏(‏ في شرح الثاقب بالمضيء‏,‏ وأشار إلي قول عكرمة‏(‏ رضي الله عنه‏):‏ هو مضيء ومحرق للشيطان‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ أن هذا الوصف ينطبق علي جنس النجم‏,‏ ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته من هذا النص‏,‏ ولا ضرورة لهذا التحديد‏,‏ بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏,‏ النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏...‏وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏):‏ أن‏...‏ المراد هنا النجم البادي بالليل‏,‏ وأضاف‏:(‏ النجم الثاقب‏)‏ أي المضيء‏,‏ كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه‏,‏ والمراد به الجنس‏,‏ فإن لكل كوكب ضوءا ثاقبا‏,‏ أو هو معهود وهو الثريا‏,‏ أو النجم الذي يقال له‏(‏ كوكب الصباح‏)...‏
ووافق كل من الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏),‏ وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏),‏ ما قال به ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏),‏ علي الرغم من أن القسم واضح الدلالة علي نجم محدد بذاته‏,‏ وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله‏,‏ فلو كان الوصف بالطارق ينطبق علي كل نجم‏,‏ ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق‏,‏ ولما أعطي اسما محددا الطارق‏,‏ ولا صفة محددة النجم الثاقب‏,‏ ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المفخمة‏,‏ ولما وجه السؤال إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ عقب القسم مباشرة‏:‏ والسماء والطارق‏*‏ وما أدراك ما الطارق‏*‏
ولما أتي الجواب قاطعا‏,‏ حاسما من الله‏(‏ تعالى‏)‏ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ النجم الثاقب‏*‏
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة‏,‏ أربع منها بالإفراد‏(‏ النجم‏),‏ وتسع بالجمع‏(‏ النجوم‏),‏ ولم يوصف أي منها بالطارق النجم الثاقب‏,‏ إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها‏,‏ والتي حملت اسم الطارق تأكيدا أن الطارق نجم محدد بذاته‏,‏ ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب‏,‏ لابد لنا من التعرف علي أنواع النجوم‏,‏ لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد‏.‏

ماهية النجوم؟‏

النجوم هي مصابيح السماء الدنيا‏,‏ وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها‏,‏ ضخمة الحجم‏,‏ ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا‏,‏ فأقرب النجوم إلينا وهي الشمس تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر‏(149,6‏ مليون كيلومتر‏)‏ وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس واسمه الأقرب القنطوري ‏(Proxima Centauri)
يقدر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر‏(4,3‏ من السنين الضوئية‏),‏ ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة‏,‏ ملتهبة‏,‏ مشتعلة‏,‏ ومضيئة بذاتها‏,‏ يغلب علي تركيبها غاز الإيدروجين‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم‏,‏ والقليل من العناصر الأخري الأثقل وزنا‏,‏ وتحتوي مادة النجم الغازية‏(‏ في أغلبها‏)‏ بعملية التجاذب الداخلي إلي مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره‏,‏ وتؤدي هذه العملية إلي اتحاد نوي ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي ‏(
Nuclear Fusion)
وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة علي هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة‏.‏
ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلي آخر‏,‏ إلي تكوين عناصر أعلي في وزنها الذري باستمرار‏,‏ مما يؤدي بدوره إلي تعقيد كل من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم‏,‏ الذي يتقلص حجمه بالتدريج وتزداد كثافته بطريقة مطردة‏,‏ وترتفع درجة حرارته باستمرار‏,‏ فيمر بذلك في عدد من الأطوار المتتالية حتي نهاية حياته‏,‏ وتسمي هذه المراحل المتتالية بدورة حياة النجم‏.‏

دورة حياة النجوم‏

خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني‏,‏ الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون‏(‏ فتق الرتق‏),‏ ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كل من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية‏,‏ عبر مراحل متتالية‏,‏ وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة
‏(
Material Accretion Whorlsor Vertigos)
التي تعمل علي تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي ‏(
Gravitational Attraction)
فتؤدي إلي إحداث تصادمات متكررة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتي تصبح قادرة علي بث الأشعة تحت الحمراء فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي ‏
Pro-(or) Proto-Star

وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي‏,‏ فتزداد الاصطدامات بينها‏,‏ ويزداد الضغط إلي الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوي ذرات الإيدروجين‏,‏ فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة‏,‏ وينبثق الضوء المرئي‏,‏ وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلي طور النضج المسمي باسم نجوم النسق الرئيسي
‏(
Main Sequence Stars)
ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره‏(90%‏ من عمره‏),‏ حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم‏.‏
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تحوله إلي الهيليوم‏,‏ وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل من مثل الكربون‏,‏ والنيتروجين‏,‏ والأوكسجين‏,‏ وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلي الحديد‏,‏ فتتوقف عملية الاندماج النووي‏,‏ ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار علي هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم ‏(
TypeI Supernova Explosion)
ينتهي به إلي دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر
‏(
Red Giants)
ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المتأين والمعروفة باسم السدم الكوكبية ‏(
Planetary Nebulae)
ثم مرحلة الأقزام البيض ‏(
White Dwarfs)

صورة بالاشعة السينية لسديم السرطان وبداخله نجم نيوترونى

إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبيا‏(‏ في حدود كتلة الشمس تقريبا‏),‏ أما اذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس‏,‏ فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام
‏(
Supergiants)
ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم
‏(
TypeIISupernova Explosion)‏
الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونية
‏(
Neutron Stars)
أو الثقوب السود
‏(
Black Holes)
والتي أسميها باسم النجوم الخانسة الكانسة
‏(
The Concealedor Hidden Sweeping Stars)
كما يصفها القرآن الكريم‏,‏ والتي تبتلع كل ما تمر به أو يصل إلي أفق حدثها ‏(
Event Horizon)

من مختلف صور المادة والطاقة‏,‏ ثم ينتهي بها المطاف إلي دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عالية الكثافة‏,‏ كما يعتقد غالبية الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكية‏,‏ وإن كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفية حدوث ذلك‏,‏ ويري بعض الفلكيين أن أشباه النجوم ‏(
Quasars)‏
مرشحة لتكون المرحلة الانتقالية من الثقوب السود إلي دخان السماء‏,‏ وهي أجرام شاسعة البعد عنا‏,‏ ضعيفة الإضاءة‏(‏ ربما لبعدها الشاسع عنا‏),‏ منها ما يطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ويعرف باسم أشباه النجوم الراديوية ‏(
Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)
ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديوية ويعرف باسم أشباه النجوم غير الراديوية
‏(
Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)‏
وغالبية نجوم السماء من النوع العادي‏,‏ أو ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي ‏(
Main Sequence Stars)
التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه‏,‏ وهي أطول مرحلة في حياة النجوم‏,‏ حيث يمضي النجم‏90%‏ من عمره في هذه المرحلة‏,‏ التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب إلي مركز النجم‏(‏ والناتجة عن دوران النجم حول محوره‏),‏ وقوي دفع مادة النجم إلي الخارج‏(‏ نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه‏),‏ ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفذ وقوده من غاز الإيدروجين‏,‏ أو يكاد ينفد‏,‏ فيبدأ بالتوهج الشديد حتي تصل شدة إضاءته إلي مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس‏,‏ ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتي يطمس ضوؤه بالكامل‏,‏ ويختفي كلية عن الأنظار علي هيئة النجم الخانس الكانس‏(‏ أو الثقب الأسود‏),‏ عبر عدد من مراحل الانكدار‏.‏
ومن النجوم المنكدرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية
‏(
Planetary Nebulae) والأقزام البيض ‏(White Dwarfs) والنجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars) ومنها النابض وغير النابض
Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)andNon-pulsating Neutron Stars
وغيرها من صور انكدار النجوم‏,‏ وسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏ إذا الشمس كورت‏*‏ وإذا النجوم انكدرت‏*‏ ‏(‏ التكوير‏:2).‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ فإذا النجوم طمست‏*‏ ‏(‏المرسلات‏:8)‏

والآيات الثلاث من مظاهر الآخرة‏,‏ إلا أن من رحمة الله‏(‏ تعالى‏)‏ بنا‏,‏ أن يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها‏,‏ ما يؤكد إمكانية حدوث ذلك في الآخرة بكيفيات ومعدلات مغايرة لكيفيات ومعدلات الدنيا‏,‏ لأن الآخرة لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا‏.‏

أحجام النجوم

تتفاوت النجوم في أحجامها تفاوتا كبيرا‏,‏ فمنها العماليق العظام‏(Supergiants)التي تزيد أقطارها عن أربعمائة ضعف قطر الشمس‏(‏ أي نحو خمسمائة وستين مليون كيلومتر‏),‏ ومنها الأقزام البيض ‏(White Dwarfs)التي لا تتعدي أطوال أقطارها واحدا من مائة من طول قطر الشمس في المتوسط‏(‏ أي لا تتعدي‏14000‏ كيلومتر‏),‏ ومنها النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)التي لا يتعدي طول قطر الواحد منها ستة عشر كيلومترا‏,‏ ومنها النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ أو ما يعرف باسم الثقوب السود‏)
(
Concealedor Hidden Sweeping Stars (or Black Holes) التي يتضاءل فيها قطر النجم إلي ما لا يستطيع العقل البشري أن يتصوره‏,‏ وهي صورة واقعية راهنة تعيد إلي الأذهان نقطة البداية الأولي التي انفجرت فخلق الله تعالى منها كل السماوات والأرض‏(‏ الرتق‏)‏ مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتلة‏,‏ وكم الطاقة ودرجة الحرارة وغير ذلك من الصفات‏,‏ ولكنها رحمة الله‏(‏ تعالى‏)‏ بنا‏,‏ أن يبقي لنا في صفحة السماء ما يمكن أن يعين أصحاب البصائر علي تدبر الخلق الأول‏,‏ وعلي تصور إمكانية إفنائه‏,‏ وإعادة خلقه من جديد‏,‏ وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير‏.‏

كثافة وكتل النجوم

كما تتفاوت النجوم في أحجامها‏,‏ فإنها تتفاوت في كل من كثافة مادتها وكتلتها‏,‏ وبصورة عامة تقل كثافة النجم كلما زاد حجمه وبالعكس‏,‏ تزداد كثافته كلما قل حجمه‏,‏ وقد لوحظ أن كثافة مادة النجوم تتفاوت بين واحد من مائة من متوسط كثافة الشمس‏(‏ المقدرة بنحو‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏)‏ في العماليق العظام ‏(Supergiants)
إلي طن واحد للسنتيمتر المكعب‏(610‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض‏(
White Dwarfs)الي بليون طن للسنتيمتر المكعب‏(1510‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية إلي أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏).‏
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصة الثنائية والثلاثية منها‏,‏ إما بصريا أو طيفيا بتطبيق قانون الجاذبية‏,‏ أو بتطبيق قوانين الازاحة الطيفية ‏(
Red Shift) (‏ انزياح أضواء النجوم إلي الطيف الأحمر‏),‏ وهناك علاقة بين كتلة النجم ودرجة اضاءته‏(‏ في مرحلة نجوم النسق الرئيسي‏),‏ أي بين كتلة المادة التي يحتويها النجم‏,‏ وبين كمية الطاقة المتولدة في جوفه‏,‏ فإذا كان النجم في حالة اتزان بين قوي الجذب إلي مركزه وقوي الدفع إلي الخارج‏(‏ أي لا يتمدد ولا ينكمش‏)‏ فإن جميع خواصه الفيزيائية تعتمد علي كل من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائية في مادته‏.‏
وتعتبر كثافة النجم دالة قوية علي مرحلة تطوره‏,‏ فكلما زادت كثافة النجم‏,‏ كان أكبر عمرا وأقرب إلي نهايته من النجوم الأقل كثافة‏.‏

درجات حرارة النجوم

تتفاوت النجوم في درجة حرارة سطحها بين‏2300‏ درجة مطلقة في النجوم الحمراء‏,‏و وأكثر من خمسين ألف درجة مطلقة في النجوم الزرقاء‏,‏ ويتم قياس درجة حرارة سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم‏,‏ لإن إشعاعه يخضع لقوانين إشعاع الجسم الأسود ‏(Black BodyRadiation) فإذا كانت درجة حرارة النجم منخفضة نسبيا‏,‏ مالت معظم الإشعاعات التي يصدرها إلي اللون الأحمر‏,‏ وإذا كانت درجة حرارته عالية مالت إشعاعاته إلي الزرقة‏,‏ وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة حرارة اللون‏(ColourTemperature)ومنها قياس شدة خطوط الامتصاص الطيفية لأشعة النجم في مراحل مختلفة من التأين والإثارة وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة الحرارة الطيفية ‏(Spectral Temperature).‏
وتتفاوت النجوم أيضا في درجة حرارة جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي‏,‏ ومئات البلايين من الدرجات المطلقة في المستعرات وما فوقها‏.‏

أقدار النجوم

هي مقاييس عددية تعبر عن درجة لمعان النجم‏,‏ وتقاس شدة الإضاءة الظاهرية للنجم بكمية الضوء الواصل منه إلي نقطة معينة في وحدة من وحدات الزمن‏,‏ والقدر الظاهري للنجم قيمة عددية لوغاريتمية تعبر عن شدة إضاءته الظاهرية بالنسبة لغيره من النجوم‏,‏ بمعني أن الأرقام الأقل تعبر عن درجة لمعان أعلي‏,‏ ويعتمد القدر الظاهري للنجم علي كمية الطاقة المنطلقة منه في الثانية‏(‏ القدر المطلق‏),‏ وعلي بعد النجم عنا‏,‏ ويمكن معرفة القدر المطلق للنجم بمعرفة بعده عن الأرض‏,‏ ويبلغ مدي القدر النجمي المطلق نحو‏27‏ درجة‏(‏ تتراوح بين‏-9‏ في أشدها لمعانا‏,‏ و‏+18‏ في أخفتها‏).‏
وتبلغ درجة لمعان الشمس‏(‏ قدرها المطلق‏)+5,‏ بينما يقترب ذلك من أقصي قدر‏(-9)‏ في كل من العماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام والمستعرات وما فوقها‏,‏ حيث تبلغ شدة إضاءة النجم أكثر من مليون ضعف إضاءة الشمس‏,‏ وتتدني شدة الإضاءة الي واحد من ألف من شدة إضاءة الشمس في النجوم المنكدرة من مثل الأقزام البيض‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ إلي الطمس الكامل والإظلام التام في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏)‏ وأشباهها من الأجرام المستترة في ظلمة الكون‏.‏

التغير في أقدار النجوم أو‏(‏ النجوم المتغيرة‏)‏

بالإضافة إلي التباين الشديد في درجة لمعان النجوم‏,‏ فإن بعض النجوم العادية ‏(Main Sequence Stars)
تتفاوت شدة إضاءة النجم الواحد منها من وقت إلي آخر‏,‏ عبر فترات زمنية تطول أو تقصر‏,‏ وبشكل مفاجيء أو بصورة هادئة متدرجة‏,‏ لا تكاد أن تدرك‏,‏ ولذلك عرفت باسم النجوم المتغيرة أو المتغيرات‏.‏

احتضار النجوم‏

يبدأ النجم العادي‏(‏ مرحلة النسق الرئيسي‏)‏ في الاحتضار‏,‏ بالتوهج الشديد علي هيئة عملاق أحمر ‏(Red Giant)
إذا كانت كتلته الابتدائية في حدود كتلة الشمس‏(‏ أو قريبة من ذلك‏),‏ أو علي هيئة عملاق أعظم ‏(
Supergiant)
اذا فاقت كتلته الابتدائية كتلة الشمس بعدة مرات‏,‏ وينشأ في الحالة الأولي نجم أزرق شديد

    الحرارة محاط بهالة من الإيدروجين المتأين‏(‏ أي الحامل لشحنة كهربية‏),
‏ ويعرف باسم السديم الكوكبي ‏
(The Planetary Nebula)
الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة ما يعرف باسم القزم الأبيض‏,
‏ وقد تدب الروح في القزم الأبيض فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر‏,
‏ ثم نخبو جذوته إلي قزم أبيض عدة مرات حتي ينتهي به العمر إلي
الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الأول ‏(TypeI Supernova)


فتنتهي مادته وطاقته إلي دخان السماء لتدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏.‏
وفي حالة النجوم فائقة الكتلة‏,‏ ينفجر نجم النسق الرئيسي علي هيئة عملاق أعظم‏,‏ الذي يعاود الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني‏,‏ عائدا إلي دخان السماء عودة جزئية‏,‏ ومكدسا جزءا كبيرا من كتلته علي هيئة نجم نيوتروني أو ثقب أسود‏(‏ نجم خانس كانس‏),‏ إما مباشرة أو عبر مرحلة النجم النيوتروني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏
والمراحل المتأخرة من حياة النجوم مثل النجوم الزرقاء الحارة‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ والنجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏),‏ وأشباه النجوم ترسل بوابل من الأشعة والجسيمات الكونية‏,‏ أو بأحزمة متصلة من الأشعة السينية أو الأشعة الراديوية عبر السماء الدنيا‏,‏ فتفقد من كتلتها باستمرار إلي دخان السماء‏.‏
ومن أهم هذه المراحل المتأخرة في حياة النجوم ما يعرف باسم النجوم النيوترونية النابضة أو النوابض‏,‏ وهي نجوم نيوترونية شديدة التضاغط ترسل بنبضات منتظمة من الأشعة الراديوية المتسارعة في كل جزء من الثانية‏,‏ أو في كل عدد قليل من الثواني‏,‏ وقد يصل عدد النبضات الي ثلاثين نبضة في الثانية‏,‏ ويعتمد عدد النبضات علي سرعة دوران النجم حول محوره‏,‏ حيث أنه من المعتقد أن كل دورة كاملة للنجم حول محوره تصاحبها نبضة من نبضات الموجات الراديوية التي تسجلها المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية بوضوح تام‏.‏

كيفية تكون النجوم النيوترونية

يعتبر انفجار العماليق العظام علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني‏,‏ واحدا من أعظم الانفجارات الكونية المروعة‏,‏ التي تؤدي إلي تدمير النجم وإلي تدمير كل ما يدور في فلكه أو يقع في طريق انفجاره من أجرام سماوية في زمن قياسي‏,‏ وذلك بتكون تيارات حمل عنيفة في داخل النجم تدفع بواسطة وابل غزير من النيوترينوات
Neutrino-Driven Convection Currents
فتقوم بتكوين دوامات متفاوتة في أحجامها‏,‏ وفي شدة دورانها‏,‏ يؤدي تصادمها إلي مزيد من تفجير النجم‏,‏ وتندفع ألسنة اللهب بعنف شديد من داخل النجم إلي خارجه علي هيئة أصابع عملاقة ملتوية ومتكسرة‏,‏ وتظل طاقة النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافة آلاف الكيلومترات في العمق‏,‏ مما يؤدي إلي تكرار عمليات الانفجار مرات عديدة حتي تخبو فتنطلق رياح عاتية مندفعة بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافة فائقة قد تكون داخل حطام النجم المنفجر‏,‏ ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي‏,‏ والذي سرعان ما يتحول الي نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبية قليلة نسبيا‏,‏ ثم الي نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبية عالية جدا‏,‏ وهو نجم ضئيل الحجم جدا‏,‏ سريع الدوران حول محوره مطلقا كمية هائلة من الأشعة الراديوية‏,‏ ولذا يعرف باسم النابض الراديوي‏(
RadioPulsar)‏
وباقي نواتج الانفجار تقذف إلي صفحة السماء علي هيئة موجات لافحة من الكتل الغازية الملتهبة‏,‏ تعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمي‏,‏ وهذه الفضلات الدخانية قد تدور في مدارات حول نجوم أخري لتتخلق منها أجرام تتبع تلك النجوم‏,‏ أو قد تنتهي إلي المادة بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديدة‏.‏
ومن رحمة الله بنا أن مثل هذه الانفجارات النجمية المروعة والمدمرة والمعروفة باسم انفجار المستعر الأعظم‏
Supernova Explosion
قد أصبحت قليلة جدا بعد أن كانت نشطة في بدء الخلق كما تدل آثارها الباقية في صفحة السماء‏,‏ فلا يتعدي وقوعها اليوم مرة واحدة كل عدة قرون‏,‏ فحتي سنة‏1987‏ م لم يعرف الفلكيون سوي ثلاث حالات فقط مسجلة في التاريخ المدون‏,‏ وقعت إحداها في سنة‏1054‏ م‏,‏ وخلفت من ورائها نجما نيوترونيا نابضا في سديم السرطان ‏(
Crab Nebula)
الذي يبعد عنا بنحو ألف فرسخ فلكي‏(3,300‏ سنة ضوئية‏)‏ ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مرة في كل ثانية مطلقا إشعاعا دوارا من الأشعة السينية‏.‏
وسجلت الثانية في سنة‏1604‏ م في مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏),‏ ولاتزال آثار هذا الانفجار باقية علي هيئة دوامات شديدة من الموجات الصدمية
‏(
Shock Waves)
التي يمكن رصدها‏,‏ ووقعت الثالثة في‏1987/2/24‏ م في سحب ماجيلان الكبيرة ‏(
The Large MagellanicClouds)‏
وهي إحدي المجرات المجاورة لمجرتنا‏.‏
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمي‏,‏ تفوق شدته الطاقة المنطلقة من جميع النجوم في مجرة كاملة‏,‏ ويكون الضوء المصاحب له أشد لمعانا من ضوء المجرة بالكامل‏,‏ ويتبقي عنه نفثات كونية من أشعة جاما ‏(
Cosmological Gamma Ray Bursts)‏ يطلق عليها اسم المرددات الدقيقة لأشعة جاما‏ .(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs)‏
التي تصدر انبثاقات هائلة من الأشعة السينية لتختفي ثم تظهر من جديد بعد عدة شهور‏,‏ أو عدة سنوات حسب بعدها عنا‏,‏ والنفثة الواحدة التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانية واحدة تساوي كل ما تنفثه الشمس من الأشعة السينية في سنة كاملة من سنينا‏.‏
وفي سنة‏1992‏ م تمكن الفلكيون من اثبات أن مرددات الأشعة السينية تلك‏,‏ ما هي إلا نجوم نيوترونية شديدة المغنطة
‏(
Super Magnetized Neutron Stars)‏
أطلقوا عليها اسم الممغنطات ‏(
Magnetars)‏
وأثبتوا لها حقلا مغناطيسيا فائق الشدة‏,‏ تفوق شدته شدة جاذبية الحقل المغناطيسي للأرض بأكثر من ألف وخمسمائة مليون مليون مرة‏(1667‏ مليون مليون مرة‏),‏ وللشمس بنحو الألف مليون مليون مرة‏,‏ وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونية نابضة ‏(
Pulsating Neutron Starsor Pulsars)
تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة الأشعة السينية بكميات غزيرة‏.‏

ما هو الطارق النجم الثاقب؟

ينطبق الوصف القرآني‏'‏ بالطارق النجم الثاقب‏'‏ علي مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط ‏(Theultra-compact Neutronstars) والمعروفة باسم النجوم النابضة ‏(Pulsating Stars) أو النابضات أو النوابض ‏(Pulsars) وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير‏,‏ ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة كميات هائلة من الموجات الراديوية ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)
لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها‏,‏ وسرعة دورانها حول محورها‏,‏ وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلي ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة‏,‏ ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره‏,‏ وتسجل المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة‏.‏
ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ و إلا لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر للحياة علي الأرض‏.‏
ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النحوم ‏(
Quasars)
وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا‏,‏ ضعيفة الإضاءة‏(‏ ربما لبعدها البالغ عنا‏),‏ ومنها مايطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا‏,‏ ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية ‏(
Radio Sources Quasars)‏ تمييزا لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لاتصدر موجات راديوية ‏(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs) وعلي الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا‏,‏ وتبدو وكأنها علي أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا‏.‏
وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وهو قليل الكثافة جدا إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1510/1‏ جم‏/‏سم‏3),‏ وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏,‏ وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم علي أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخري منها لم تكتشف بعد‏.‏
وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم‏:‏

 النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)‏ وأشباه النجوم الراديوية ‏(Radio Quasars) يعتبر من أهم المصادر الراديوية ‏(Radio Sources) في السماء الدنيا‏,‏ وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس والخنوس‏,‏ كما في حالة النوابض‏,‏ أو من مراحل التحول إلي دخان السماء اللاحقة علي مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم‏.‏
ولعل هذه المراحل الراديوية المتميزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني الطارق النجم الثاقب لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد‏,‏ وموجاتها الراديوية الخاطفة‏,‏ والله تعالى أعلم‏.‏
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم‏,‏ وبنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين‏),‏ الذي تلقي هذا الوحي الخاتم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذه الدقة العلمية المبهرة في مجتمع لم يكن له من العلم أي نصيب‏.‏
وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم‏:‏
إن كل نفس لما عليها حافظ ‏(‏ الطارق‏:4)‏
أي أن كل نفس عليها من الله‏(‏ تعالى‏)‏ حافظ موكل بها من الملائكة‏,‏ يحفظها بأمر الله‏,‏ ويحفظ عنها بأمر الله كذلك‏,‏ في مراقبة دائمة‏,‏ فكما يصلنا طرق النوابض وأشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئية تعرج أعمالنا لحظة بلحظة إلي الله‏(‏ تعالى‏)‏ علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏!!‏
ثم أتبع تعالى ذلك بدعوة الإنسان‏(‏ في نفس السورة‏)‏ إلي النظر في نشأته الأولي كي يعلم أن خالقه قادر علي إعادة بعثه‏,‏ وعلي محاسبته وجزائه‏,‏ فيجتهد في عمل الخير حتى يجد ما ينجيه في الآخرة‏,‏ حيث إن الأمر ليس بالهزل‏,‏ ولذلك يختتم السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية الأخرى وبقوله تعالى‏:‏ إنه لقول فصل‏*‏ وما هو بالهزل‏*‏
ثم بإنذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمتمردين علي أوامره‏ (‏ تعالى‏)‏ بهذا الجزم الآلهي القاطع‏:‏
‏(‏ إنهم يكيدون كيدا‏*‏ وأكيد كيدا‏*‏ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا‏*)‏‏(‏ الطارق‏:17‏ ـ‏19)‏.

·        المصدر:

بحث مقدم من الأستاذ الدكتور: زغلول النجار.

أستاذ المعهد العالي لعلوم الأرض في لندن.

انظر: موقع الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم