أولاً ـ البلاغة
في القرآن
معجزة القرآن الكريم
تتمثل في وجوه كثيرة ، أولها البلاغة ، وكونه فصيحاً بلسان عربي مبين ، قال تعالى
:{
قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (الزمر:28) ، وقد عجزت العرب رغم
فصاحتهم بالإتيان بمثله لما فيه من حسن بلاغة وقوة في المعاني وبراعة
الألفاظ ودقة التشبيه وحسن ترابط وتسلسل ورغم ذلك كان بلسان عربي بليغ ومبين
، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192)نَزَلَ بِهِ
الرُّوحُ الْأَمِينُ(193)عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ
الْمُنذِرِينَ(194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195) } الشعراء
وأعجزت بلاغته فصحاء
قريش وخطباءها ، فاتهموا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر ثم سرعان ما رأوا
أنه ليس بشعر ، قال تعالى : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}
(يّـس:69) ،
ثم قالوا إنه ساحر كما فعل الوليد بن المغيرة ،
فقال تعالى على لسانه : { فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25) } المدثر
ثم قالوا إنه كاهناً تارة وتارة اتهموه بالجنون
، قال تعالى : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا
مَجْنُونٍ(29) } الطور
ومنهم من قال إنه يقول أساطير
الأولين ، قال تعالى : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ
أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(15) } الطور
كل هذا بكفرهم وعنادهم
وقد استيقنت أنفسهم بأنه من عند الله وعرفوا أنه الحق ولكن الكبر وإتباع الآباء
والخوف على الجاه والمكانة بين الناس منعهم من قبوله .
قال تعالى :{ وَجَحَدُوا
بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(14) } النمل
ثانياُ ـ مخاطبة
العقل والقلب معاً
ومن معجزات القرآن أنه
يخاطب العقل والقلب معاً ، فتجد له وقعاً على كليهما ، وجعله الله شفاء للقلوب
ورحمة ونور ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ
مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
} - يونس 57
وقال : { وَنُنَزِّلُ
مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً } (الإسراء:82) ، كما أن معظم القرآن
إنما يخاطب العقل ويحثه على التفكر في خلق الله كالسماوات والأرض وإمعان النظر في
الكون وفي الأنفس والآفاق وجعل ذلك وسيلة للوصول إلى الإيمان بالله ، قال تعالى : { أَوَلَمْ
يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن
شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ
بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } الأعراف 185
وقال تعالى : {
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ(53) } فصلت
وقد جعله الله تعالى
مصدراً لتثبيت النفس وعونها على الصبر ومصدر هداية وتبشير للمؤمنين كما ثبت به
الله تعالى فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى :
{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ
الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ } النحل 102
كما جعله مصدر راحة واطمئنان للمؤمن ، قال تعالى
: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ
بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
الرعد 28
وكم أسعد هذا القرآن قلوباً مولعة ومشتاقة
للرحمن ومتعطشة للقائه ، فتجد كلامه تعالى خير دواء وسكن ينزل برداً وسلاماً على
القلب والروح فتسعد النفس بترتيله وهذا إنما يفهمه ويشعر به المؤمن كامل الإيمان
الذي يتوق للقاء الله تعالى .
ثالثاً ـ أمثال
القرآن
ومن إعجاز القرآن
ووسائله للوصول إلى العقول والأفهام ضرب الأمثال التي تقرب المعاني وتفتح الأذهان
المغلقة والعقول الحائرة فتقنع كل إنسان يريد أن يصل إلى الحقيقة ، بل من يريد
الحق ولم يعاند ويكابر لابد وأن يجد الحقيقة في القرآن واضحة كوضوح الشمس في وسط
النهار ، قال تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا
الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الزمر:27)
أما المعاندين الذين عرفوا الحق واستكبروا عليه وكفروا
به قال الله عنهم :
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) (الروم:58) ورغم بيان الأمثال جادل فيها الكفار وتكبروا
عليها ، قال تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ
كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الكهف:54) .
المراجع
إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني
الإتقان للسيوطي
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي