الخطوات المتدرجة لفهم القرآن والتعامل معه
 
 

على قارىء القرآن أن يحسن قراءته وفهمه والتدبر فيه, والوقوف على تفسيره, بإيجاز قاصد ذي دلالة على الغرض القرآني, وأن يعرف كيف يتعامل معهويتلقى عنه ويعيش به.. لذلك عليه أن يتبع-في قراءته له-طريقاً محدداً , ذا خطوات متدرجةواضحة ومراحل متتابعة .ونشير بدورنا إلى هذه الخطوات والمراحل, ومن الله نستمد العون والتوفيق..

1- أن يلاحظ آداب التلاوة-التي عرضنا أهمها فيما سبق من هذا الكتاب-وأن يراعيها ويلتزمها ويطبقها, حتى يحسن الدخول إلى عالم القرآن , والعيش في جو القرآن, واستحضار معانيه وحقائقه, واستقدام دلالاته ولطائفه, واستشعار ظلاله وإيحاءاته..ومن لم يلتزم تلك الآداب فكيف يتلقى عن القرآن؟

2- التلاوة للسورة أو الجزء أو المقطع بتأن وخشوع وتدبر, وباسترسال وبطء وانفعال.. وأن لا يكون همه نهاية السورة أو خاتمة الجزء, ولا غرضه كم صفحة قرأ وكم آية تلا, وكمحسنة جمع, وأن لا تخايل له هذه الأمور, حتى لا تتحول إلى حجاب بينه وبين التدبر وحاجز سميك يحجز عنه أنوار القرآن ولطائفه..

3- الوقوف أمام الآية التي يقرأها ,وقفة متأنية فاحصة مكررة, ليستخرج منها بعض ما يمن الله عليه من كنوزها وعلومها ومعارفها ومعانيها.. وأن لا يقرأها بعينه فقط, أو يسمعها بأذنه فقط, بل يقرأها بكل كيانه, ويسمعها بكل مشاعره وأحاسيسه, وأن يعيشها بكامل كينونته الإنسانية , وأن ينفعل بها ويتأثر لها, ويفتح لها حياته كلها.

عليه أن يمعن النظر في الآية , وأن يعيد قراءتها مرة ومرات, ولا يسأم من ذلك ولا يمل , حتى لو استمرت وقفته أمامها دقائق أو ساعات, وحتى لو أعادها عشرات المرات..وكثير من علماء القرآن كانوا يطيلون الوقفة أمام الآية الواحدة, ويقومون بها ليلتهم كلها, ولا يقطعون تلاوة الآية وترديدها إلا عند الفجر..

4- النظرة التفصيلية في صياغة الآية:تركيبها وسياقها ومعناها, ونزولها وغريبها وإعرابه, وملاحظة معانيها ودلالاتها وظلالها..بحيث لا يغادرها إلى غيرها , إلا بعد أنيكون قد ألم بطرف من ذلك كله , ووقف على تفسيرها وفهمها..

5- ملاحظة البعد الواقعي للآية, انطباقها على الواقع ومعالجتها له,بحيث يجعل من الآية منطلقا له ليعالج حياته وواقعه,وميزانا يزن به من حوله وما يحيط به, ونورا يضيء له طريقه..ولو أحسن إدراك هذا وتذوقه واستخراجه من الآية لوقف على كنز لا ينفذ, وزاد عظيم من القرآن العظيم..

6- العودة إلى فهم السلف-وبخاصة الصحابة الكرام-للآية وتدبرهم لها وحياتهم بها,والوقوف على استقبالهم لها وتعاملهم معها, وملاحظة الأحوال والملابسات والظروف والحاجات التي عالجتها ولبتها,والتأمل والتدبر في ما روي لهم من عبارات في فهمها وتفسيرها..

7- الإطلاع على آراء بعض المفسرين في الآية , واختيار التفاسير ذات القيمة العلمية ,والأصالة والريادة والمنهجية والتوثيق..وذلك حتى يقوم ما لاحظه في الآية ,وما خرج به من أحكام ومعان ودلالات وإيحاءات , فيستبعد ما تعارض مع الأصول العلمية التي قررها علما ء القرآن..

وإذا كان لنا أن ننصح بتفاسير يتعامل معها ويأخذ عنها ,فليطلع في المرحلة الأولى على كتاب موجز يعطيه الكثير من ما يطلبه في الآيات , ولن يكون هذا إلا تفسير (في ظلال القرآن)للشهيد سيد قطب..

ثم يطلع على تفسير من التفاسير القديمة التي تعني بمعاني الكلمات وصياغتها وإعرابها ونزولها وأحكامها-على تفاوت في ذلك حسب عصر وثقافة ومدرسة كل مفسر-ويستطيعأن يختار تفسير القرآن العظيم لابن كثير, أو الجامع لأحكام القرآن للقرطبي, أو فتح القدير للشوكاني, أو رغائب القرآن للقمي النيسابوري..أو غير ذلك.

 

ثلاثة أوراد يومية قرآنية:

ولعل كلامنا عن الخطوات المتدرجة للتعامل مع القرآن يطيل الفترة الزمنية التي يختم فيها القارىء القرآن, ويكلفه الكثير من الوقت والجهد والبحث والتدبر..مع اعتقادنا أن هذا مطلوب لابد منه , وأنه هو الثمرة المرجوة من التلاوة , والمقصد الأساسي من القراءة..

ولكننا من باب حرصنا على إفادة القارىء الكريم , وتقديم النصح له –نشير إلى ضرورة أن يكون لكل منا مع القرآن الكريم ثلاثة أوراد يومية, ووظائف لازمة, لا يتخلف عنها يوما من الأيام , مهما كثرت شواغله وازدحمت الواجبات عليه.

*الورد الأول:

ورد التلاوة : يقرأ في القرآن –بالآداب التي سبق وأشرنا إليها –ولا ينقص ورده اليومي هذا عن جزء من أجزاء القرآن, بحيث يختمه في كل شهر قمري مرة..-وهو الحد الأدنى الذي وضعه رسول الله عليه الصلاة والسلام لقارىء القرآن-ولن يأخذ هذا الورد من وقته أكثر من ساعة, بل قد ينقص إلى نصفها!.

* الورد الثاني:

ورد الحفظ : بحيث يحرص على أن يحفظ كل يوم آية أو آيتين أو ثلاثا, ويكرر حفظها ويحسنه يوميا, بحيث ما تمر عليه سنوات إلا وقد حفظ القرآن كاملا بإتقان وضبط ملحوظين..

*الورد الثالث:

ورد التدبر: وهو المقصود بالخطوات المتدرجة السابقة, بحيث يطبق تلك الخطوات يوميا علىآية أو آيتين أو ثلاث , ولا يزيد على ذلك , وأن يعيشها بحياته وكيانه كله, لن تمر عليه سنوات حتى يكون قد أحسن تدبر القرآن والتعامل معه وتفسيره وفهمه وفقهه..

* أهم المصادر والمراجع:

- مفاتيح للتعامل مع القرآن: د. صلاح الخالدي.

- من روائع القرآن: الشيخ محمد علي الصابوني.

- التفسير المنير : د. وهبة الزحيلي.

- انظر: كيف تحفظ القرآن الكريم: د. يحيى الغوثاني.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم