في رحاب قوله تعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة)
 
 

قال تعالى : ( و من آياته خلق السموات و الأرض و ما بث فيهما من دآبة)  [سور الشورى : 29] .

و قال : ( و في خلقكم و ما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ) [سورة الجاثية : الآية 4 ] .

هذه الآيات و غيرها تدعونا للنظر في خلق الدواب و الحيوانات التي سخرها الله لنا عز وجل ، و جعل لنا فيها منافع كثيرة .

( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت إيدينا أنعاماً فهم لها مالكون . و ذللناها لهم فمنها ركوبهم و منها يأكلون . ولهم فيها منافع و مشارب أفلا يشكرون ) . [سورة يس: 71 ، 72 ، 73 ] .

فلنذهب لنجد بعض ما يقوله أصحاب البحث و النظر في علم الحيوان .

الأنعام : هي البقر و الغنم و الماعز و الإبل ، و هي أصناف من الحيوانات خلقها الله عز وجل مسخرة ليتمكن من الاستفادة منها . و إلى ذلك يشير قوله تعالى : (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون و ذللناها لهم )

و قد ذكرت بعض الآيات جملة من المنافع الأخرى على سبيل التذكير بالنعم : قال الله تعالى : ( و جعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم و يوم إقامتكم و من أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثاً و متاعاً إلى حين ) [سورة النحل : الآية 80].

و قال تعالى : ( و إن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث و دم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ) . [سورة النحل : الآية 66] .

في هذه الآية الكريمة يلفت الله نظرنا إلى ظاهرة عجيبة تحمل لنا العبرة من قدر الخالق جل جلاله .

فاللبن الذي يعتبر من أهم الأغذية عند الإنسان يخرج إلينا من بطون الأنعام بعملية مدهشة .

مصنع كيميائي داخل الأنعام :

اللبن يخرج إلينا من بطون الأنعام  مدهش حقاً ،  ما إن أنثى الأنعام تأكل العشب و التبن و الشعير و ما شابه ذلك ، فيختلط ببعضه في الكرش ، فيتكون من ذلك الفرث الذي نراه لو أننا فتحنا كرش حيوان مذبوح .

و هو عملياً عبارة عن السليلوز و مركبات غذائية مختلفة و مختلطة بقلورا الكرش . حيث يحدث بها تخمر و تغيير في تركيبها من جراء هدم قلورا الكرش لهذا السليلوز ، والمواد السكرية ، مما يؤدي إلى إنتاج ثلاثة أحماض دهنية ، وهي حمض الخليك و حمض البيوترك ، و حمض البرو بيونيك ، فتمتص الشعيرات الدموية المنتشرة حول الكرش هذه الأحماض ، و ذلك دون مرورها في القناة الهضمية إلى الأمعاء ، كما هو متبع مع باقي الغذاء ، فتصل إلى الغدد اللبنية و يحدث الآتي:

يزيد حمض الخليك من دهن اللبن . و يزيد حمض البيوترك من بروتين اللبن ، ويزيد حمض البروبيونيك من سكر اللبن . و وجود الدهن في اللبن هو السبب في وجود الطعم المستساع له . و كلما قلت نسبة الدهن قل إستساغة طعم اللبن عند الشرب . كما وجد أيضاً أنه كلما زادت نسبة السليلوز في الغذاء زادت نسبة حمضي الخليك ، و بذلك تزيد كيمة الدهن  في اللبن و بالتالي ندى استساغته .

ثم إن إشارة القرآن الكريم إلى خروج اللبن سائغاً طيب الطعم . و خالصاً نقياً من اللون والطعم و الرائحة غير المرغوبة ، هذه الإشارة تدل على نعمة الخالق جل جلاله و قدرته ، و مما يلفت النظر أنك ترى غدتي الثديين تقومان تقومان بعلمية التصفية و التميز و الاختيار ، و انتخاب المواد النافعة و المغذية من الدم و الابتعاد عن المواد الضارة كالسموم ، و حمض البولة مع كونهما مختلطين بالدم ، و يسيران في الجسم مع مجاري الدم ، فتجتمعان اللبن في كيس الثدي انتظاراً لحلبه ، و تقديمه لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ، بينما تقوم غدتان أخريان في الجسم و هما الكليتان بعكس هذا العمل فتقومان بامتصاص سموم الدم و حمض البولة من الدم لطرحه خارج الجسم عن طريق الجهاز البولة .

فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .

لقد أكمل الله عز وجل خلق كل شيء ، ثم هداه و ألهمه طريقة حياته ، و مصادر رزقه ، و علمه كيف يقوم بدوره ووظيفته مع بقية المخلوقات في هذه الحياة .

البـقــر:

و من هذه الأنعام البقر: قال تعالى : ( و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر و من البقر و الغنم ) [سورة الأنعام : الآية 146].

قال تعالى : ( و من الإبل اثنين و من البقر اثنين ) [سورة الأنعام : الآية 144] .

و قال : ( و إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) [سورة البقرة : 67] .

البقر " بالتحريك " اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى ، والجمع بقرات و بقر و بقار و أبقر و بواقر. و قد سمى هذا الحيوان بالبقر لأنه يشق الأرض بالحراثة ، يقال : بقره بقراً أي شقه شقاً ، أي فتحه ووسعه .

و يسمى ذكر البقر و أنثاه بالبقر ، وولده العجل للذكر الصغير و العجلة للأنثى الصغيرة . و البقر فصيلة من ضمن الحيوانات المجترة ، وتنتشر في نعظم أنحاء الكرة الأرضية ، ماعدا المناطق الباردة ، و يربى في المراعي والمروج من أجل لحمه و حليبه و جلده .

و يستخدم للحراثة و الجر ، و أحياناً لحمل الأثقال ، وله ضروب كثيرة تختلف باختلاف البيئات التي يعيش فيها . و تتميز بقرونها متوسطة الطول .

و مدة حمل الأنثى من البقر ( 285 ) يوماً ، ووزن صغيرها بعد الولادة 30 كغ تقريباً ، و يجب أن يسقى في اليوم الواحد ( 8ليتراً ) من لبن أمه ، و يجب الإعتناء في أمر فطامه بصورة تديجية حتى يعتاد على ذلك .

و من أشهر أنواع البقر في العالم ( البقر الهولندي ) لأنه يحلب مئة رطل في اليوم ، وفي أوروبا متوسط ما تحلبه البقرة الواحدة  في اليوم الواحد حوالي 45 رطلاً .

و الإنسان يحتاج لحفظ حياته إلى أغذية تتألف من المواد البروتينية ، والمواد الدهنية ، والأملاح المعدنية ، والفتيامينات و البروتينات منها الكاملة ومنها الناقصة ، و إن أعظم مصدر للبروتينات الكاملة هو ( اللحم ) .

و إن المواد الدهنية هي أغنى الأغذية في إنتاج الحرارة و من أعظم مصادرها ( السمن و الزبدة و اللبن و اللحم ) أي الأنعام ـ و أما المواد المعدنية فأول مصدر يذكرونه لها هو ( اللبن ) ، و كذلك أهم أنواع الفيتاميناتت موجودة في ( اللحم و اللبن ) .

* ويقول العلم : هذه الأنعام هي وحدها من بين جميع الحيوانات اللبونة تنتج  اللبن باستمرار ، و بكثرة عظيمة ، ولو قطع عنها رضيعها ، و هي وحدها التي تجمع بين هذه الخصائص ، و بين القدرة على الحرث و الحمل و الجر ، إنها قدرة ربانية عظيمة جمعت في الأنعام بين أن تكون آكلة عشب ميسوراً غذاؤها ، يسيراً تذليلها ، وبين أن تكون مخزناً دائماً و مصنعاً دائباً للحليب و السمن و اللحم ، و كلها من المواد البروتينية .

و قد كان من المتوقع عقلاً أن تنتج هذه الأنعام التي كل غذائها العشب مادة نشوية سكرية ، و لا تنتج لحماً و لا سمناً و لا شحماً فسبحان الخلاق العظيم .

* المصدر :

آيات الله في النحل و البعوض و الأنعام و الطير: محمد عثمان عثمان .

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم