من معاني أسماء الله تعالى في القرآن (1)
 
 

هذا شرح موجز، وتعريف يسير، لبعض أسماء الله الحسنى، وهو مأخوذ من كتاب قيّم للشيخ محمد حسنين مخلوف ـ رحمه الله.

الله: عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد, وهو أعظم أسمائه تعالى لدلالته على الذات العلية الجامعة لكل صفات الألوهية المنعوتة بنعوت الربوبية، المنفردة بالوحدة في الذات والصفات والأفعال المعبودية بحق،فلا إله إلا الله ، ولا رب سواه، ولامعبود بحق إلا هو، وهو اسم انفرد به سبحانه فلم يُسَمَّ به غيره أصلاً كما ذكره الإمامان أبو حنيفة والشافعي والجمهور، وغيره من الأسماء صفات له عز وجل تجري عليه وتدل على المعاني الثابتة له تعالى، كالحياة والعلم والقدرة على وجه الكمال والتقديس. قال تعالى: ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ ... [البقرة:255]، ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ... [النور:35]، ﴿ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾ ... [الأعراف:59].

الرحمن الرحيم: اسمان عربيان له تعالى، من الرحمة، وهي تقتضي التفضل والإحسان، ويراد بها غايتها، وهي إرادة إيصال الخير والثواب لمن يشاء من عباده، ودفع الشر عنهم أزلاً، أو هي إيصال الخير لهم ودفع الشر عنهم فيما لا يزال، وعلى الأول يكون الرحمن والرحيم من صفات الذات، وعلى الثاني من صفات الفعل.

ومعناهما: الرحمن بما ستر في الدنيا وأفاض من الخير على المحتاجين من عباده، والرحيم بما غفر في العقبى وجاد بالفضل والإنعام على العباد، أو الرحمن الذي إذا سُئل أعطى، والرحيم الذي إذا لم يُسأل يغضب، أو الرحمن بإزالة الكروب والعيوب، الرحيم بإنارة القلوب بالغيوب، أو الرحمن لتعليم القرآن، والرحيم للمؤمنين بتشريف التسليم والتكريم، قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ ﴿1﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ ... [الرحمن: 1 ، 2]، وقال: ﴿ سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ ... [يس:58]، أو الرحمن الرحيم بكل ذلك وهو الأولى.

والرحمن عند الأكثر أبلغ من الرحيم، ولذا اشتهر في الدعاء( يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة)، ومعلوم أن رحمته تعالى في الدنيا شاملة للمؤمن والكافر، والصالح والطالح، وذلك بإيصال الرزق، وخلق الصحة، ودفع الأسقام والمصائب، بخلاف رحمته في الآخرة فإنها مختصة بالمؤمنين، وفي الأثر عن عيسى ـ عليه السلام ـ أنه قال: " (الرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة) " .
وقد اختص الله تعالى باسم الرحمن فلم يسم به غيره جاهلية وإسلاماً كما اختص بلفظ الجلالة.

القدوس: المنزه عن سمات النقص والعيوب وموجبات الحدوث أو من تقدست عن الحاجات ذاته وتنزهت عن الآفات صفاته، أو من تقدس عن مكان يحويه وعن زمان يبليه مشتق من القدس وهو الطهارة والنزاهة؛ ولذا يقال [ البيت المقدس ] أي المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، وقيل لأمير الوحي جبريل ـ عليه السلام ـ روح القدس لطهارته من العيوب في تبليغ الوحي إلى الرسل ـ عليهم السلام ـ وقال تعالى حكاية عن الملائكة ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ ... [البقرة:30] أي نطهر أنفسنا لك.

المؤمن: المصدق نفسه وكتبه ورسله فيما بلغوه عنه إما بالقول وإما بخلق المعجزات، مأخوذ من الإيمان وهو التصديق، أو المؤَمِن عباده من المخاوف بخلق الطمأنينة في قلوبهم، أو بإخبارهم أن لا خوف عليهم.

المهيمن: الرقيب الحافظ لكل شيء، المبالغ في المراقبة والحفظ، أو الشاهد على خلقه بما يصدر منهم من أقوال وأعمال، فهو العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأكوان،وهو الرقيب عليهم لقولـه: ﴿ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ﴾ ... [يونس:46]، أو من اجتمع فيه العلم بجميع الأشياء، والقدرة التامة على تحصيل جميع المصالح، والمواظبة على تحصيلها، ولن يجتمع ذلك على الكمال إلا لله تعالى وحده، أو الذي يعلم السر والنجوى، ويسمع الشكر والشكوى، ويدفع الضر والبلوى، قال تعالى: ﴿ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ ... [الحشر:23].

الجبار: الذي يقهر عباده على كل ما يريد ويقسرهم عليهم، أو المنيع الذي لا يُنال، يقال للنخلة إذا طالت وقصرت الأيدي عن أن تنال أعلاها نخلة جبارة، أو المصلح أمور خلقه، المتصرف فيهم بما فيه إصلاحهم، والله تعالى مصلح لأمور الخلق كلهم. قال تعالى: ﴿ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾.

المتكبر: البليغ الكبرياء والعظمة، أو الذي يكبر عما يوجب نقصاناً أو حاجة، أو المتعالي عن صفات المخلوقات بذاته وصفاته العلية، أو الملك الذي لا يزول سلطانه، والعظيم الذي لا يجري في ملكه إلا ما يريد. قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ... [الحشر:23].
وقال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ... [الجاثية:37].
وقال تعالى: ﴿ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾ ... [غافر:12].

الخالق: المقدر للأشياء المكون لها على مقدار معين بقدرته وإرادته وعلمه وحكمته، قال تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ... [المؤمنون:14] أي المقدرين، ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾ ... [الأعراف:54]. فالخلق هو التقدير المستقيم، والأمر هو قوله تعالى: ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ ... [يس:82]، أو الخالق المبدع للأشياء الموجد لها من غير أصل ولا احتذاء، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ ... [القمر:49]، أي أبدعناه وأوجدناه بقدر:﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ ... [الواقعة:60]، ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ ... [الفرقان:2]، ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم ﴾ ... [فاطر:3]، أي موجد ومبدع غيره تعالى يرزقكم؟ ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾ ... [الأنبياء: 104]، أي كما أبدعنا وأوجدنا الخلق أولاً نعيده ثانياً بقدرتنا، ﴿ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ... [ الرعد: 16] أي الموجد المبدع لكل شيء أو المقدر لكل شيء بعلمه وقدرته وإرادته وحكمته.

البارئ: الموجد للأشياء بريئة من التفاوت وعدم تناسب الأجزاء، مأخوذ من البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره، فهو أخص من الخالق، أو المقدر لها بمقاديرها بحكمته، قال تعالى: ﴿ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ ﴾ ... [البقرة:54]، أو المميز الأشياء بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة.

المصور: الذي صور جميع الموجودات ورتبها على اختلافها، وكثرتها وتنوعها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها عن غيره، أو المبدع لصورها وكيفيتها كما أراد قال تعالى: ﴿ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ ... [الأعراف:11]، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ ... [غافر:64]، فأعطاكم الصور الحسنة التي أرادها لكم.

فالله تعالى يخلق الأشياء ويقدر المقادير، ويبرئها ويصورها على حسب الحكمة والمصلحة جل جلاله، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾ ... [الحشر:24].

الغفار: الذي أسبل الستر على الذنوب في الدنيا، وتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، من الغفر وهولغة بمعنى الستر، ويطلق مجازاً على العفو والصفح، قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ ... [طه: 82]، ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ ... [نوح:10]، ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ ... [ص: 66].

وهو تعالى غافر وغفور، قال تعالى: ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ ﴾ ... [غافر:3]، ﴿ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ... [يوسف:98]، ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ ... [فاطر:34]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ... [الزمر:53].

والغفور أبلغ من الغافر، والغفار أبلغ من الغفور؛ لأنه وضع للتكثير ومعناه أنه يغفر الذنب أبداً، والله ذو مغفرة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ... [الرعد:6].

القهار: الذي طلحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى جميع الخلائق أجمعين، أو الذي يقصم ظهور الجبابرة فيقهرهم بالإذلال والإهانة والنكبات والإهلاك، والقهار من القهر وهو الغلبة وصرف الشيء عما طبع عليه بالقسر.

قال تعالى: ﴿ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ ... [إبراهيم:48]، ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ ... [ص: 65]، ﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ ... [يوسف:39]، ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ ... [غافر:61]، والقهار مبالغة في القاهر، وهو تعالى القاهر والغالب على أمره، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ ... [الأنعام:18]، وقال: ﴿ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ... [يوسف:21].

الرزاق: المتولي خلق الأرزاق، المتفضل بإيصالها إلى العباد، والمسبب لها بالأسباب، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ ... [الذاريات:58]، وهو مبالغة في حد الرزق، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ ... [الجمعة:11]، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ ... [الحج:85]، ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ﴾ ... [الشورى:19]، ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ ... [فاطر:3]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ... [العنكبوت:17].

ورزق الله تعالى لعباده رزقان: رزق الأبدان بالأطعمة والأكسية ونحوها، ورزق الأرواح بالعلوم والمعارف والإدراكات الصحيحة والإلهامات الصادقة، وهو أشرف الرازقين فإن ثمرته حياة الأبد في سعادة، وثمرة رزق الظاهر قوة البدن إلى مدة قريبة الأمر، وقد تكون في شقاوة.

الفتاح: الحاكم بين الخلائق ، وهومن الفتح بمعنى الحكم مبالغة فى الفتح، والله تعالى قد ميز الحق من الباطل، فأوضح الحق وبيّنه وقضى به، ودحض الباطل وأظهره وحكم ببطلانه، أو الذي يفتح خزائن الرحمة والخيرات، والنصرة والظفر، والمعارف على عباده، ويسهل لهم ما كان صعباً، وييسر ما كان عسيراً من أمور الدنيا والدين، قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ ... [الأعراف:89]، ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ... [فاطر:2]، ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ ... [سبأ : 26].

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم