بلْ
 
 

حرف إضراب عن الأول وإثبات للثاني؛ يتلوه جملة ومفرد.

فالأول الإضراب فيه إما بمعنى ترك الأول والرجوع عنه بإبطاله، وتسمى حرف ابتداء، كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26] أي: بل هم عباد. وكذا: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ﴾ [المؤمنون: 70].

وإما الانتقال من حديث إلى حديث آخر، والخروج من قصة إلى قصة من غير رجوع عن الأول؛ وهي في هذه الحالة عاطفة كما قاله الصفار، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: 94].

﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا﴾ [الكهف: 48].

وقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ [السجدة: 3] انتقل من القصة الأولى إلى ما هو أهم منها.

﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ65/بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ﴾ [النمل: 65- 66] ليست للانتقال، بل هم متصفون بهذه الصفات.

وقوله: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 166].

وفي موضع: ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: 55]. وفي موضع: ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 81].

والمراد: تعديد خطاياهم، واتصافهم بهذه الصفات، وبل لم ينوِ ما أضافه إليهم من إتيان الذكور والإعراض عن الإناث؛ بل استدرك بها بيان عدوانهم؛ وخرج من تلك القصة إلى هذه الآية.

وزعم صاحب «البسيط» وابن مالك أنها لا تقع في القرآن إلا بهذا المعنى؛ وليست كذلك لما سبق، وكذا قال ابن الحاجب في شرح «المفصل»، إبطال ما للأول وإثباته للثاني إن كان في الإثبات، نحو: «جاء زيد بل عمرو» فهو من باب الغلط؛ فلا يقع مثله في القرآن ولا في كلام فصيح. وإن كان ما في النفي، نحو: «ما جاءني زيد بل عمرو». ويجوز أن يكون من باب الغلط، يكون «عمرو» غير جاء، ويجوز أن يكون مثبتاً لعمرٍ والمجيء، فلا يكون غلطاً. انتهى.

ومنه أيضاً: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى14/وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى15/بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: 14- 16].

وقوله: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ62/بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ [المؤمنون: 62- 63].

وقوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ1/بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: 1- 2] ترك الكلام الأول وأخذ بـ «بل» في كلام ثان، ثم قال حكاية عن المشركين: ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا﴾ [ص: 8]، ثم قال: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي﴾، ثم ترك الكلام الأول وأخذ بـ «بل» في كلام آخر فقال: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص: 8].

والثاني: - أعني ما يتلوها مفرد- فهي عاطفة. ثم إن تقدّمها إثبات نحو: «اضربْ زيداً بل عمراً»، و«أقام زيد بل عمرو»، فقال النحاة: هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء ويثبت ما بعدها. وإن تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله. وجعل ضدّه لما بعدها نحو: «ما قام زيد بل عمرو»، و«لا يقم زيد بل عمرو».

ووافق المبرّد على ما ذكرنا، غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة مع النهي أو النفي إلى ما بعدها.

وحاصل الخلاف أنه إذا وقع قبلها النفي هل تنفي الفعل أو توجبه؟

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

- وانظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم: إسماعيل عمايرة وعبدالحميد السيد

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم