أمْ
 
 

حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل، نحو: «أزيدٌ عندك أم عَمْرو»؟

وقيل: إنما تُشرك بين المتعاطفين كما تُشرك بينها «أو».

وقيل: فيها معنى العطف. وهي استفهام كالألف؛ إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف.

وقيل: هي «أو» أبدلت الميم من الواو، ليحوّل إلى معنى. يريد إلى معنى «أو».

وهي قسمان: متصلة ومنفصلة:

فالمتّصلة: هي الواقعة في العطف والوارد بعدها وقبلها كلام واحد، والمراد بها: الاستفهام عن التعيين؛ فلهذا يقدّر بـ «أيّ». وشرطها: أن تتقدّمها همزة الاستفهام، ويكون ما بعدها مفرداً أو في تقديره.

والمنفصلة: ما فقد فيها الشرطان أو أحدهما، وتقدّر: «بل» والهمزة.

ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في ثلاثة مذاهب، حكاها الصفّار:

أحدها: أنها تقدّر بهما وهي بمعناهما، فتفيد الإضراب عما قبلها على سبيل التحول والانتقال كـ «بل»، والاستفهام عما بعدها. ومن ثم لا يجوز أن تستفهم مبتدئاً كلامك بـ «أم». ولا تكون إلا بعد كلام لإفادتها الإضراب كما تقدّم.

قال أبو الفتح: والفارق بينها وبين «بل» أنّ ما بعد «بل» منفي، وما بعد «أم» مشكوك فيه.

والثاني: أنها بمنزلة «بل» خاصة، والاستفهام محذوف بعدها، وليست مفيدة الاستفهام، وهو قول الفراء في «معاني القرآن».

والثالث: أنها بمعنى الهمزة، والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول.

قال الصفار: فأما الأول فباطل؛ لأن الحرف لا يعطي في حيز واحد أكثر من معنى واحد، فيبقى الترجيح بين المذهبين. وينبغي أن يرجّح الأخير لأنه ثبت من كلامهم: «إنّها لإبلٌ أم شاء».

ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام؛ وهو من مواضع الضرورة. قال: والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام؛ وكذلك قال سيبويه. انتهى.

_ _ _

واعلم أنّ المتصلة يصير معها الاسمان بمنزلة «أيّ»، ويكون ما ذكر خبراً عن «أيّ»، فإذا قلت: «أزيدٌ عندك أم عمرو»؟ فالمعنى: أيّهما عندك؟ والظرف خبر لهما.

ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله، نحو: «أزيد عندك أم عمرو؟» كقوله تعالى: ﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [يوسف: 39] أي: أيّ المعبودين خير؟ وفي عطف الجملة على الجملة المتأوّلتيْن بالمفرد، نحو: ﴿أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ﴾ [الواقعة: 72] أي: الحال هذه أم هذه؟

والمنقطعة إنما تكون على عطف الجمل، وهي في الخبر والاستفهام بمثابة «بل» والهمزة، ومعناها في القرآن: التوبيخ، كما كان في الهمزة، كقوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: 16] أي: بل أتخذ؟ لأن الذي قبلها ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ [الزخرف: 15] خبر، والمراد بها: التوبيخ لمن قال ذلك وَجَرْيٌ على كلام العباد.

وقوله: ﴿الم1/تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [السجدة: 1- 2] ثم قال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: 3] تقديره: بل أيقولون؟ كذا جعلها سيبويه منقطعة لأنها بعد الخبر.

ثم وجّه اعتراضاً: كيف يستفهم الله عن قولهم هذا؟ وأجيب بأنه جاء في كلام العرب؛ يزيد أن في كلامهم يكون المستفهم محققاً للشيء، لكن يورده بالنظر إلى المخاطب كقوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، وقد علم الله أنه لا يتذكر ولا يخشى؛ لكنه أراد: «لعلّه يفعل ذلك في رجائكما».

وقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: 16] تقديره: بل أتخذ؟ بهمزة منقطعة للإنكار.

وقد تكون بمعنى «بل» من غير استفهام كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [النمل: 60]، وما بعدها في سورة النمل.

قال ابن طاهر: ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى «بل» أن تكون عاطفة كقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ﴾ [الطور: 30]، وقوله: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: 20].

وقال البغويّ في قوله: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ [الزخرف: 52] بمعنى: «بل» وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين.

وقال الفرّاء وقوم من أهل المعاني: الوقف على قوله «أم»، وحينئذٍ تمّ الكلام، وفي الآية إضمار، والأصل: ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف: 51] أم تبصرون؟ ثم ابتدأ فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾.

قلت: فعلى الأول تكون منقطعة، وعلى الثاني متصلة.

وفيها قول ثالث، قال أبو زيد: إنها زائدة، وإنّ التقدير: أفلا تبصرون أنا خير منه!

والمشهور أنها منقطعة لأنه لا يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني لأنه إنما أدركه الشك في تبصّرهم بعدما مضى كلامه على التقرير، وهو مثبت وجواب السؤال «بلى»، فلما أدركه الشك في تبصّرهم قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾.

وسأل ابن طاهر شيخه أبا القاسم بن الرماك: لمَ لم يجعل سيبوبه «أم» متصلة! أي«أفلا تبصرون أم تبصرون»؟ أي:أيّ هذين كان منكم؟ فلم يُحر جواباً وغضب وبقي جمعة لا يقرّر حتى استعطفه.

والجواب من وجهين: أحدهما: أنّه ظنّ أنّهم لا يبصرون، فاستفهم عن ذلك، ثم ظنّ أنّهم يبصرون، لأنّه معنى قوله: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ﴾، فاضرب عن الأول واستفهم، وكذلك: أزيد عندك أم لا؟

والثاني: أنه لو كان الإبصار وعدمه عنده متعادلين، لم يكن للبدء بالنفي معنى، فلا يصح إلا أن تكون منقطعة.

وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة، كما قال في قوله تعالى: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطور: 42].

قال الواحدي: إن شئت جعلت قبله استفهاماً ردّ عليه، وهو قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ [البقرة: 106]، وإن شئت منقطعة عما قبلها مستأنفاً بها الاستفهام، فيكون استفهاماً متوسطاً في اللفظ، مبتدأ في المعنى كقوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، ثم قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ [الزخرف: 52]. انتهى.

والتحقيق ما قاله أبو البقاء: إنها ها هنا منقطعة؛ إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها، وموقع «أم» «أيهما» والهمزة في قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ ليست من «أم» في شيء، والتقدير: بل أتريدون أن تسألوا؟ فخرج بـ «أم» من كلام إلى آخر.

وقد تكون بمعنى «أو» كما في قوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ16/أَمْ أَمِنتُم﴾ [الملك: 16- 17].

وقوله: ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً68/أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى﴾ [الإسراء: 68- 69].

ومعنى ألف الاستفهام عند أبي عبيد، كقوله تعالى: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ﴾ [البقرة: 108] أي: أتريدون؟

وقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 214].

وقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54] أي: أيحسدون؟

وقوله: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ62/أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: 62- 63] أي: أزاغت عنهم الأبصار؟

وقوله: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ [الطور: 39] أي: أله!

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ [الطور: 40] أي: أتسألهم أجرا؟

وقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ [الكهف: 9] قيل: أي: أظننت هذا؟ ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف!

وقيل: بمعنى ألف الاستفهام، كأنه قال: أحسبت؟ و«حسبت» بمعنى الأمر، كما نقول لمن تخاطبه: أعلمت أنّ زيداً خرج بمعنى الأمر، أي: اعلمْ أنّ زيداً خرج، فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية: اعلم يا محمد أنّ أصحاب الكهف والرقيم.

وقال أبو البقاء في قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: 16] تقديره: بل أتخذ! بهمزة مقطوعة على الإنكار، ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتاً، تعالى الله عن ذلك! ولو كانت «أم» المنقطعة بمعنى «بل» وحدها دون الهمزة وما بعد «بل» متحقق، فيصير ذلك في الآية متحققاً، تعالى الله عن ذلك!

مسألة: [في ضرورة تقدّم الاستفهام على«أم»]

«أم» لا بدّ أن يتقدمها استفهام أو ما في معناه. والذي في معناه التسوية؛ فإنّ الذي يسْتفهم استوى عنده الطرفان ولهذا يسأل، وكذا المسؤول استوى عنده الأمران.

فإذا ثبت هذا؛ فإنّ المعادلة تقع بين مفْرديْن وبين جملتين، والجملتان يكونان اسميتين وفعليّتين؛ ولا يجوز أن يعادل بين اسمية وفعلية إلا أن تكون الاسمية بمعنى الفعلية، أو الفعلية بمعنى الاسمية، كقوله تعالى: ﴿سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: 193] أي: أم صمتم.

وقوله: ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ51/أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ [الزخرف: 51- 52]؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير كانوا عنده بصراء، فكأنه قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء؟

قال الصفّار: إذا كانت الجملتان موجبتين قدّمت أيهما شئت، وإن كانت إحداهما منفية أخّرتها فقلت: أقام زيد أم لم يقم؟ ولا يجوز: ألم يقم، أم لا؟ ولا: «سواء عليّ ألم تقم أم قمت»! لأنهم يقولون: سواء عليّ أقمت أم لا، يريدون: أم لم تقم، فيحذفون لدلالة الأول، فلا يجوز هذا: سواء عليّ أم قمت، لأنه حذف من غير دليل، فحملت سائر المواضع المنفية على هذا.

قال: فإنه لا بد أن يتقدمها الاستفهام أو التسوية، بخلاف «أو»، فإنه يتقدمها كل كلام إلا التسوية، فلا تقول: سواء عليّ قمت أو قعدت؛ لأن الواحد لا يكون «سواء».

مسألة:

قال الصفار: ينبغي أن يعلم أن السؤال بـ «أو» غير السؤال بـ «أم».

فإذا قلت: «أزيد عندك أم عمرو»؟ فجواب هذا: «زيد» أو«عمرو»، وجواب «أو»: «نعم»، أو «لا». ولو قلت في جواب الأول: «نعم»، أو «لا»، كان محالاً، لأنك مدَّعٍ أن أحدهما عنده.

فإن قلت: وهل يجوز أن تقول: زيد أو عمرو، في جواب: «أقام زيد أم عمرو»؟

قلت: يكون تطوّعاً بما لا يلزم، ولا قياس يمنعه.

وقال الزمخشري وابن الحاجب: وضع «أم» للعلم بأحد الأمرين، بخلاف «أو»، فأنت مع «أم» عالم بأن أحدهما عنده، مستفهم عن التعيين، ومع «أو» مستفهم عن واحد منهما، على حسب ما كان في الخبر، فإذا قلت: «أزيد عندك أو عمرو»؟ فمعناه: هل واحد منهما عندك؟ ومن ثم كان جوابه بـ «نعم» أو «لا» مستقيماً، ولم يكن ذلك مستقيماً في «أم»، لأن السؤال عن التعيين.

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم