إلى
 
 

لانتهاء الغاية، وهي مقابلة «مِنْ». ثم لا يخلو أن يقترن بها قرينة تدل على أنّ ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل. وإن لم يقترن بها قرينة تدل على أنّ ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل فيصار إليه قطعاً وإن لم يقترن بها.

واختلف في دخول ما بعدها في حكم ما قبلها على مذاهب:

أحدها: لا تدخل إلّا مجازاً، لأنها تدخل على غاية الشيء ونهايته التي هي حدّه، وما بعد الحدّ لا يدخل في المحدود؛ ولهذا لم يدخل شيء من الليل في الصوم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾ [البقرة: 187].

الثاني: عكسه، أي أنه يدخل ولا يخرج إلّا مجازاً بدليل آية الوضوء.

والثالث: أنها مشتركة فيهما لوجود الدخول وعدمه.

والرابع: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها أو جزءاً كالمرافق،دخل، وإلّا فلا.

والحق أنه لا يطلق، فقد يدخل نحو: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6]، وقد لا يدخل نحو: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾.

وقيل في آية المرافق: إنها على بابها، وذلك أن المرفق هو الموضع الذي يتكئ الإنسان عليه في رأس العضد، وذلك هو المفصل وفريقه، فيدخل فيه مفصل الذراع، ولا يجب في الغسل أكثر منه.

وقيل: «إلى» تدل على وجوب الغسل إلى المرافق، ولا ينبغي وجوب غسل المرفق لأن الحدّ لا يدخل في المحدود ولا ينفيه التحديد، كقولك: «سرت إلى الكوفة»، فلا يقتضي دخولها ولا ينفيه، كذلك المرافق، إلّا أنّ غسله ثبت بالسنة.

ومنشأ الخلاف في آية الوضوء: أن «إلى» حرف مشترك، يكون للغاية والمعيّة، و«اليد» تطلق في كلام العرب على ثلاثة معان: على الكفين فقط، وعلى الكف والذراع والعضد، فمن جعل «إلى» بمعنى «مع»، وفهم من «اليد» مجموع الثلاثة، أوجب دخوله في الغسل، ومن فهم من «إلى» الغاية، ومن «اليد» ما دون المرفق لم يدخلها في الغسل.

قال الآمديّ: ويلزم من جعلها بمعنى «مع» أن يوجب غسلها إلى المنكب، لأن العرب تسميه يداً.

وقد تأتي بمعنى «مع» كقوله: ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ﴾ [آل عمران: 52].

﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52].

﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: 2].

﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6].

﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ [البقرة: 14].

وقيل: ترجع إلى الانتهاء، والمعنى في الأول: من يضيف نصرته إلى نصرة الله؟ وموضوعها حال، أي: مَنْ أنصاري مضافاً إلى الله؟

والمعنى في الأخرى: ولا تضيفوا أموالكم إلى أموالهم، وكنّى عنه بالأكل كما قال: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188] أي: لا تأخذوا.

وقد تأتي للتبيين، قال ابن مالك: وهي المعلّقة في تعجّب أو تفضيل بحبّ أو بغض. مبينة لفاعلية مصحوبها، كقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ [يوسف: 33].

ولموافقة اللام، كقوله: ﴿وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ﴾ [النمل: 33]. وقيل: للانتهاء، وأصله: والأمر إليك. وكقوله: ﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: 25].

وموافقة «في» في قوله تعالى: ﴿هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾ [النازعات: 18]، وقيل: المعنى: بل أدعوك إلى أن تزكّى.

وزائدة، كقراءة بعضهم: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: 37] بفتح الواو.

وقيل: ضمّن «تهوى» معنى «تميل».

تنبيه:

من الغريب أن «إلى» قد تستعمل اسماً، فيقال: «انصرفت من إليك»، كما يقال: «غدوت من عليك». حكاه ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباريّ.

ولم يقف الشيخ ابن حيان على هذا، فقال في تفسيره في قوله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 25]، وقوله: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: 32] «إلى» حرف جرّ بالإجماع، وظاهرها أنها متعلقة بـ «هزّي».

وكيف يكون ذلك مع القاعدة المشهورة أنّ الفعل لا يتعدّى إلى ضمير متصل. وقد يرفع المتصل وهما لمدلول واحد، فلا تقول: «ضربتُني» ولا «ضربتك» إلّا في باب «ظنّ»، والضمير المجرور عندهم بالحرف كالمنصوب المستقل، فلا تقول: «هززتُ إليّ»، ولا «هززتِ إليكِ».

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم