أمّا
 
 

كلمة فيها معنى الشرط، بدليل لزوم الفاء في جوابه.

وقدّرها سيبويه بـ «مهما»، وفائدتها في الكلام: أنها تكسبه فضل تأكيد، تقول: «زيد ذاهب»؛ فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب قلت: «أمّا زيد فذاهب». ولهذا قال سيبويه: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب.

وفي إيرادها في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ [البقرة: 26] إحماد عظيم للمؤمنين، ونعي على الكافرين لرميهم بالكلمة الحمقاء.

والاسم الواقع بعدها، إنْ كان مرفوعاً فهو مبتدأ كقوله: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ [الكهف: 79]، ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ﴾ [الكهف: 80]، ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ﴾ [الكهف: 82].

وإن كان منصوباً، فالناصب له ما بعد الفاء على الأصح كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ 9/وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 9- 10].

وقرئ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: 17] بالرفع والنصب، فالرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم.

وتذكر لتفصيل ما أجمله المخاطب، وللاقتصار على بعض ما ادّعى.

فالأول، كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ﴾ [هود: 106]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود: 108]، فهذا تفصيل لما جمع في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ﴾ [هود: 103]، وبيان أحكام الشقي والسعيد.

والثاني: كما لو قيل: «زيد عالم شجاع كريم»؛ فيقال: «أمّا زيد فعالم»، أي: لا يثبت له بما ادعى سوى العلم.

واختلف في تعدد الأقسام بها، فقيل: إنه لازم، وحمل قوله تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7] على معنى «وأمّا الراسخون»، ليحصل بذلك التعدد بعدها، وقطعه عن قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾ [آل عمران: 7].

ومنهم من قال: إنه غير لازم، بل قد يذكر فيها قسم واحد. ولا ينافي ذلك أن تكون للتفصيل لما في نفس المتكلم كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [آل عمران: 7].

حكى القولين ابن جمعة الموصلي في شرح «الدرة» وصحح الأول.

والأقرب الثاني، والتقدير في الآية: «وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم»، ودل عليه: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ الآية.

قال بعضهم: وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [البقرة: 26]، إلى قوله: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ [البقرة: 26].

وهذا حكاه ابن قتيبة عن بعض المتقدمين، قال: فالفاسقون ها هنا هم الذين في قلوبهم زيغ، وهم الضالون بالتمثيل. ثم خالفه فقال: وأنت إذا جعلت المتبعين المتشابه بالتأويل المنافقين في اليهود المحرّفين له دون المؤمنين، كما قال الله تعالى: ﴿في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [آل عمران: 7] أي: غير الإسلام، وضح لك الأمر، وصحّ ما قلناه من معرفة الراسخين بالتشابه، وعلى هذا فالوقت على: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7].

وأما قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ90/فَسَلَامٌ لَّكَ﴾ [الواقعة: 90- 91]، فقيل: الفاء جواب «أما»، ويكون الشرط لا جواب له، وقد سدّ جواب «أما» مسدّ جواب الشرط.

وقيل: بل جواب الشرط، والشرط وجوابه سدّ مسدّ جواب «أما».

وتجيء أيضاً مركبة من «أم» المنقطعة و«ما» الاستفهامية، وأدغمت الميم في الميم كقوله تعالى: ﴿أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 84].

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم